خيراً فعلت

ما قام به صاحب السمو الأمير، كان لا بد من القيام به بعد أن تمادى القوم وأصبحت اللعبة السياسية مملة ومتعبة، بل وخطرة على استقرار الدولة، وحتى على وجودها، بعد أن تحكمت فئات ومجاميع من الشارع قاموا بفرض سيئ خياراتهم النيابية علينا، وقاموا، بعد دقائق، من إعلان فوزهم، بتحدي الجميع، بلا استثناء، فكان من الضروري على من بيده الأمر التحرك للحفاظ على وحدة الوطن واستقراره ووقف تدهور أوضاعه، بعد أن استُغلت الديموقراطية بطريقة بشعة، وأدت لتجميد المشاريع والقوانين، أو صدورها مهلهلة تشكو من مختلف أنواع العوار، وغالباً تحقيقاً لمكاسب شخصية.
لقد كنا، ولا نزال، نثق بصحة خيار الحكم الديموقراطي، لكن تصرفات وأقوال وتصريحات عدد لا يستهان به من النواب بيّن حجم التهور الذي كنا سنراه، ومقدار التضليل الذي سيتّبعونه، وحجم التطاول الذي سيبلغونه على رموز الدولة واستقرارها، وهم الذين تدور شبهات على بعضهم، وكل ذلك تنفيذاً لرغبات من يحركهم ويطمح لما هو غير مؤهل له، لا عملياً ولا أخلاقياً ولا إدارياً.

لقد بينت نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أشعرت كل مخلص لهذا الوطن بالخوف، فكان من الضروري وقف الخطر بقرارات تاريخية تصب في المصلحة العامة، عن طريق تعديل مواد في دستور الدولة لما فيه الخير، وكان من المستحيل تسليم أمر هذا التعديل والتنقيح لفئة تقودهم مصالحهم الشخصية، أو لتلك الخاضعة لضغوطات القبيلة والطائفة، وضغوط «الجهات» التي ساهمت، مادياً ومعنوياً، في إيصالهم للبرلمان، وأصبحت تسيّرهم لتحقيق أهدافها السياسية، وهم فوق ذلك منقادون بسابق أحقادهم وسابق سيرتهم والطريقة التي أصبحوا فيها مواطنين، وتالياً مشرعين لا هم لهم غير «إما أن تسمعونا وتحققوا مطالبنا، أو سنضع العصي في دواليب عربة الحكم»، ونعرقل مصالح المواطنين ونشل القرارات الوزارية، ونقلب الأوضاع لجحيم لا يطاق، وبالتالي تطلب الأمر صدور قرارات تسحب من يد هذه العناصر المخربة والخطرة أدواتها، فأمن الوطن أولى وأهم من أي جهة او فرد، والقيادة أكثر حرصاً على مصلحة الدولة، ولا يعنيها غير مصلحة الوطن العليا.

يروّج الكثيرون، ومنهم من يصنفون محللين سياسيين وماليين، وأيضا بعض من يطربون لتسميتهم بالمفكرين، بأن القضايا التي تنتظر البت واتخاذ القرار بشأنها، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو مالية أو تعيينات إدارية ملحة، يجب أن تكون لها الأولوية على الأمور والقضايا الأخرى، وبالتحديد فتح ملفات المزورين والمزدوجين. وهذا كلام معيب وخطير، فنسبة من كانت ستلقى على كواهلهم مستقبلاً اتخاذ القرارات الإصلاحية وإصدار التشريعات أغلبهم يشكون من سوء السيرة وشبهة التلاعب بملفات هويتهم وهوية أقربائهم، والهوية الوطنية ككل، فكيف يجوز تسليم هؤلاء دوراً في إصلاح أوضاع الدولة، ودوراً في اتخاذ أخطر القرارات الأخرى؟

نتمنى جميعاً أن تتحقق مطالب الغيورين على مصلحة الدولة، وأن نرى كل طموحاتنا في التنوير والتقدم قد أصبحت حقيقة على أرض الواقع.

لقد شاركت في كل الانتخابات البرلمانية، وكنت، ولا أزال، نصيراً ومؤيداً للديموقراطية، وللحريات المدنية والسياسية، ولكن المأزق الذي أوصلنا له البعض، من الطامحين والمخربين، دفعنا للترحيب بقوة بالقرارات الجديدة. فالدستور، بعد أكثر من 60 عاماً، كان بحاجة حقيقية للتعديل، وكان من الاستحالة وضع مهمة التعديل بيد من لا يمكن الثقة لا به ولا بمؤهلاته ولا بولائه ولا بحقيقة انتمائه!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top