رائحة المواطن ورائحة المقيم

ذكرنا في مقال سابق، أن الكويت تشكلت كدولة وكيان ممن هاجروا لها، وأصبحوا مع الوقت يشكلون عنصرا له سماته، مع عدم اختلافه عن غيره من البشر، فبينهم الفالح والطالح والطيب والمجرم والأمين والسارق...إلخ، وردهات المحاكم، وسجلات المخافر وأسماء المساجين، وحتى نزلاء دور رعاية كبار السن، خير شاهد ودليل على أننا لا نتميز عن غيرنا لا في الرائحة ولا في جمال القول ولا في المظهر ولا المخبر، ولا في درجة ظلم ذوي القربي، ولا حتى في رائحة الفم.

من قدموا للكويت، على مدى تاريخها، القصير نسبيا، كانوا أساسا عربا مسلمين، ثم جاء غيرهم مع قلة قليلة من المسيحيين واليهود، وجاءوا جميعا لأنهم ربما وجدوا في الكويت، حينها، ما افتقدوه في أوطانهم. ثم انفجرت الثروة النفطية، بالمصادفة البحتة، وتبعتها الديموقراطية، ومن سماتها الحرية والمساواة للجميع!

لأسباب بديهية، تطلب التوسع العمراني والصناعي والتجاري والتعليمي والخدمي، الذي واكب زيادة ثروة الدولة من النفط، ضرورة استقدام أعداد كبيرة من الوافدين، من أصحاب الخبرات والمهارات النادرة، ومن العمالة الهامشية، بغية القيام بمختلف الأعمال، وحصل جزء من هؤلاء على جنسية الدولة تاليا.
* * *
لا مجال لتعداد محاسن ومزايا الواتس أب، لكنه كبقية وسائل التواصل الاجتماعي، سيف ذو حدين، خاصة إن وقع بيد متطرف أو نصف متعلم يعتقد أن له الحق في مهاجمة الآخرين، والقول ان الكويتيين لا تصدر منهم تصرفات سيئة، وان رائحتهم أفضل من رائحة بعض المقيمين، ثم نكتشف أن من صدر عنه ذلك الهراء، مواطنة تدعي المعرفة، وتصف نفسها بالكاتبة والإعلامية!

ما نراه من هذه النوعية من المغردين وغيرهم لا يسيء لهم فقط بل لنا جميعا، وللوطن تاليا، ويفترض بمن نعتت المقيم بأوصاف قبيحة وغير لائقة، أن تعلم أن بينهم من هو أفضل منها، خلقا ورائحة وعلما ومكانة وأدبا. فما معنى هذه النعرات التي أصلا لا صحة ولا أساس علميا أو منطقيا لها، وكلام مسيء وبذيء لا يفترض أن يصدر ممن تطلق على نفسها تلك الألقاب الرفيعة، وتتوقع أن تكون رائحة الجميع مقبولة لديها.

مؤسف هذا التعالي وهذا التعرض للوافدين بهذا النفس القميء، الذي ربما يجد صداه لدى البعض، من الذين يماثلونها جهلا، فهؤلاء الذين وفدوا أو قدموا للعمل لدينا لم يأتوا غصبا عنا بل بكامل رضانا، وبطريقة قانونية، وهذا ينطبق على النسبة الطاغية منهم، ونحن بأمس الحاجة لهم، فـ%90 من خدمات الدولة، من كهرباء وماء وتنظيف وغيرها المئات لا يستطيع القيام بها إلا هؤلاء، إما لقلة خبرتنا أو لتقاعسنا عن أدائها. فغريب أن نطلب من العامل أو نتوقع منه القيام بالشائق والمرهق من الأعمال، تحت شمس حارقة، ثم نتعجب ونستنكر صدور رائحة العرق منه؟

لقد جاء هؤلاء وعمل غالبيتهم بشرف وتعبوا ليجعلوا حياتنا أفضل، ولا يجوز لوم الكل بجريرة البعض، ولو قام أي مواطن بأداء نفس الأعمال لصدرت منهم نفس رائحة الجسد، التي لم تستلطفها... الخانم!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top