حكم كبس السيارة المخالفة

بسبب قرف الناس مما يحدث لهم يوميا على الطرقات، وما تشكله قيادة السيارة من رعب وهاجس مقلق للكثيرين، بعد سنوات طويلة ساد فيها التسيب، بسبب تقاعس السلطتين، التشريعية والتنفيذية، في إصدار قانون مرور حازم طال انتظاره، فقد لقي قرار وزارة الداخلية الأخير المتعلق بنيتها «كبس» كل سيارة يقوم صاحبها بالاستهتار بقوانين المرور وتعريض حياة الناس للخطر، لقي ترحيبا شبه شامل، خاصة من جماعة استخدام الخيزرانة، وكارهي النظام الدستوري، وكأن الخيزرانة ستطول غيرهم ولن تطولهم يوما، ولو ظلما.

يقول نص المادة الـ32 من الدستور: لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليه.

هذا ليس نصا دستوريا فقط، بل نصا يتسق والمنطق ومع حقوق الإنسان. فمن غير المعقول مثلا الحكم على من بصق في الشارع بالسجن عشر سنوات، أو تغريم وحبس من نجح في إنقاذ أسد مفترس من الموت، وغيرها من الافتراضات، فقط لأن مزاج المسؤول رأى ذلك.

وبالتالي لا يجوز التسرع في تطبيق عقوبة الكبس، فقد يلجأ صاحب السيارة التي تم كبسها للقضاء، ويحضر الشهود، ويطالب بتفريغ كاميرات التصوير الحكومية، التي تثبت أنه لم يكن لا مسرعا ولا متهورا، وأن الموضوع كيدي بحت، فمن الذي سيتحمل تعويض صاحب السيارة، خاصة إن كان ثمنها بمئات الآلاف، وعن تعطيل أعماله والإساءة لسمعته وتعريضه للإهانة؟ علما بأن أيا منا قد يكون الضحية... مستقبلا!

كما أن ما اقترحه أحد المحامين، الذين يتكرر ظهورهم على وسائل التواصل، من أن على وزارة الداخلية إحالة أمر المخالفين أو المتهمين بالاستهتار بقوانين المرور للقضاء، للبت في صحة المخالفة، قبل القيام بكبس السيارة، انطوى ربما على قلة إدراك منه، فعلى أي أساس سيحكم القاضي بكبس السيارة، في غياب نص في قانون المرور الحالي، يسمح له بذلك؟
* * *
لقد فرحنا جميعا، وصفقنا مطولا لقرارات الحزم التي أصدرها معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية والدفاع، ونتمنى أن يستمر في حزمه وفي مسلسل منجزاته التي طال انتظارها، لكن لا نتمنى له التسرع في كبس السيارات، التي عليها شبه مخالفة القانون، دون وجود نص واضح في قانون مرور جديد يتضمن تلك العقوبة، فمن الغريب، مع وجود كل هذه الجهات الاستشارية والقضائية في الدولة، وفي «الداخلية» أيضا، أن يصدر مثل هذا القرار الذي قد يتسبب في إحراج من أصبح اسمه شبه «أيقونة»، طال انتظارها، وبالتالي فإن التجاوب مع الرغبة العارمة في الحزم مع المخالفات المرورية يجب أن يكون مدروسا ومترويا. 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top