مخالفتان خطيرتان متكررتان

نسمع، منذ سنوات طالت كثيراً، بين الفترة والأخرى، عن إحالة جمعية تعاونية/ خيرية أو أكثر للنيابة. ويبدو واضحاً عجز الوزارة عن وضع حد لكل هذا الفساد المستشري. كما يبدو أن ليس لديها حل للوضع الخرب، غير الإحالة للنيابة، لتتوقف حالة فساد، وتبدأ أخرى جديدة، في حلقة جهنمية لا تنتهي.
كما نسمع، ومنذ سنوات أيضاً، وبشكل متكرر عن تفتيش قوى الأمن لعنابر السجون، واكتشاف ومصادرة مواد ممنوعة، مثل الهواتف النقالة والأسلحة البيضاء والنارية، ومختلف أنواع المخدرات، وجميعها لا تتوافر أصلاً خارج السجن، فكيف تكون بتلك الوفرة في داخله؟ حتى سجن النساء لم يسلم من آفة الفساد، حتى تعرّض السجن للتفتيش من قوى الأمن، التي وجدت الكثير من الممنوعات لدى نزيلاته، من مخدرات وأسلحة بيضاء وهواتف نقالة.

تكرار هذه الاختراقات الأمنية الخطيرة، وكشفها، لتعود ثانية إلى الوضع نفسه، وتزايد الاختراق وتفنن القائمين به في تهريب مختلف المواد الممنوعة، يجب التعامل معه بحزم، وبكثير من القلق، خصوصاً أن عدداً من المساجين سبق أن نجحوا في إدارة عمليات مشبوهة من داخل السجن، والإيقاع بالكثيرين في حبائلهم والنصب عليهم، والتسبب في خسارتهم لأموال كبيرة، هذا بخلاف من يديرون عملياتهم الخطرة والممنوعة من الداخل.

لقد حاول كل وزراء الداخلية وقف هذه الاختراقات، وكان النجاح حليفهم لفترة قصيرة، لكن دون فائدة، حتى مع تكرر تغيير الوكلاء المساعدين وقيادات المؤسسات الإصلاحية، ومديري السجون، من دون نتيجة حاسمة، ليستمر الفساد، الذي يعود في أغلبه إلى وجود من يتعاون مع المساجين، لأسباب مادية غالباً، أو قبلية وطائفية وأسرية أحياناً أخرى. وبالتالي يتطلب الأمر من وزير الداخلية، النائب الأول لرئيس الوزراء، التفكير خارج الصندوق، ووضع حل نهائي لهذه الاختراقات المتكررة، والمرعبة بالفعل، فمن خلال شريط الفيديو، الذي قامت إدارة العلاقات العامة بتوزيعه، يتبين ليس فقط تنوع المواد الممنوعة، التي تمت مصادرتها وخطورتها، بل كميتها الكبيرة جداً، والتي تثير التساؤل عن جدوى وجود سجن ومساجين، إن كان بإمكان هؤلاء تهريب كل ما يريدون ويشتهون، واستخدام المساجين لنفوذهم في شراء الذمم وإرهاب بقية النزلاء، أو حتى قوات الأمن في داخل السجن.

يبدو جلياً أن كل ما كان بإمكان وزارة الداخلية القيام به، حتى الآن، قد قامت به، ويتطلب الأمر بالفعل التفكير بطريقة مختلفة، سواء من خلال بناء سجون حديثة، بأنظمة مراقبة متطورة، التفكير بجدية في تسليم مهام أمن مداخل وبوابات السجون لشركات أمنية خارجية محترفة، غير قابلة للإفساد، لا يسهل إغراؤها بالمال، وليس في هذه الاستعانة ما يعيب، فكثيراً ما استعانت الدولة بخبراء من الخارج، سواء لبناء المباني المعقدة، أو كأطباء وجراحين، خصوصاً عندما لا تتوافر الخبرات محلياً.

أسباب الاختراق معروفة، واستبدال زيد بعبيد لن يغيّر من الوضع البائس الحالي شيئاً، خصوصاً أن هناك مزايا ممنوحة بطريقة شبه رسمية لبعض النزلاء، وهذا دفع، وسيدفع غيرهم لمحاولة الحصول عليها، بأي ثمن.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top