محمد مساعد.. وجرائم الكويتيين

أبدى الزميل الراحل محمد مساعد الصالح، في مقال قديم ما أزال أتذكّر مغزاه، استغرابه من حرص مشرّعي مجلس الأمة على التشدّد، المبالغ فيه أحياناً، في النص على عقوبات مشدّدة جداً لبعض الجرائم، التي كان المواطنون قليلاً ما يرتكبونها، وطالب بأن تكون الأحكام أكثر عقلانية، فقريباً سيرتكب المواطنون الجرائم نفسها، التي كانت يوماً مقتصرة على غيرهم، وقد يكون بينهم أبناء وأحفاد المشرّعين أنفسهم!
كان «أبوطلال» يتنبأ، لكن لا أحد وقتها، ولا الآن، يصغي عادة إلى ما تسطّره أقلام الكتّاب المخلصين، فقد تزايدت في الفترة الأخيرة الأحكام الصادرة على مواطنين، وهي صفة «تخب عليهم»، وأصبحوا منافسين كباراً لغيرهم، خصوصاً في اقتراف الجرائم الخطيرة. ومؤخراً فقط تمكّن الأمن الجنائي من ضبط 4 أشخاص، يعملون بوزارة التربية، و6 غيرهم، يديرون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعمل على تسريب اختبارات الثانوية.

كما تبيّن من وقائع أسوأ كارثة حريق مرّت على الكويت، أن هناك مواطنين متورطين فيها. كما حكمت محكمة الجنايات مؤخراً على رئيس نادٍ رياضي بالسجن 6 أشهر، لدوره في الطعن في نزاهة أحد أعضاء السلطة القضائية. وسبق ذلك صدور حكم من الاستئناف بتأييد حكم أول درجة، بإعدام مواطنين، لدورهما في قتل مواطن ثالث. وسبق ذلك حكم إعدام صدر عن محكمة الاستئناف بحق فرد من أبناء الأسرة لقتله مواطناً. كما صدر حكم تمييز نهائي على وزير شؤون سابق ووكيل الوزارة نفسها، ورئيس اتحاد الجمعيات، بالسجن لمدد متفاوتة، لدورهم في سرقة مال عام. كما ضبط 5 مواطنين ومواطنة في المطار، وبحوزتهم مليون كبسولة مادة الليريكا المخدرة، واثنان من المتهمين يعملان في «الجمارك»، الجهة المنوط بها كشف تهريب المخدرات!

ولا ننسَ في هذه العجالة أن من سهّل وساعدَ وشاركَ في عمليات تزوير شهادات جنسية الوطن، وشهادات الإعاقة، كانوا جميعاً من.. المواطنين، غير الشرفاء. وكل هذا غيض من فيض، فقد كان التسيّب شاملاً، وطاغياً، واستمرّ مع الأسف لفترة طويلة.

وأثناء كتابة هذا المقال، ورد خبر صدور حكم من الجنايات بحبس طبيب كويتي، يعمل في أحد المستشفيات الحكومية، لمدة 5 سنوات مع الشغل والنفاذ، وإلزامه بإعادة رواتبه وتغريمه ضعفها، ليصل إجمالي المبلغ الملزم دفعه مليون دينار، وذلك بسبب انقطاعه عن العمل، ومع هذا كان يستلم رواتبه بالكامل لفترة 15 سنة، فأين كانت رقابة المواطنين الآخرين من مخالفاته طوال هذه الفترة. كما أمرت النيابة بحبس 27 متهماً، منهم 6 مواطنين، تمكنوا من غسل أموال تزيد قيمتها على 120 مليون دينار، وأغلبية تلك الأموال تعود لتجّار مخدّرات، أتلفت تجارتهم حياة عشرات الآلاف!

ما نحتاج إليه غالباً ليس تشديد العقوبات، في كل الأحوال، بل تطبيق القوانين، ومنع استثناءات، وإصدار قوانين لسد الثغرات، وتعديل القديم منها، والحزم والسرعة والشفافية في التطبيق. أما ما ورد على لسان وزير التربية والتعليم بأنه سيلجأ للضرب بيد من حديد على مسربي الاختبارات، فهذا لا يجوز في دولة القانون. فالإجراء السليم يتطلّب، في أي حادث أو جريمة، وضع كل الحقائق والمعطيات أمام النيابة ولجان التحقيق، والقضاء، لإصدار الحكم العادل، وعدم التسرّع في توقيع العقاب على الضعفاء، وترك الأقوياء جانباً، كما حصل في واقعة طرد آلاف العمال المساكين من شققهم، بحجة مخالفتهم للقوانين، وترك من وراء المخالفة طليقاً.

كم كان رائعاً قراءة نص إعلان الداخلية، الذي منع عمل الدراجات الآلية الخاصة بالتوصيل، من 11 صباحاً حتى 4 مساء، بصرف النظر عن رأي البعض فيه، والذي نص على أن غير الملتزم ستطبق عليه «مخالفة شروط التصريح»، أي ضمن القانون، دون مبالغة في توقيع عقاب غير قانوني، وهذه مبادرة يشكر عليها وزير الداخلية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top