خراب «عافية» وتخريبها

استعرضت خلال العطلة عشرات الرسائل والفيديوهات والتعليقات المتعلقة بفسخ عقد «عافية». وجدت أن أغلبية المعلقين والمؤثرين كانوا من المطالبين بوقف الخدمة، وتوفير تغطية تأمينية طبية للجميع، بطريقة أكثر سرعة وتحضراً.

كما تبيّن لي، من واقع تجربتي وتجربة الآلاف، أن تغطية «عافية» قد جعلت جزءاً أكبر من الكويتيين غير مكترثين بالمصلحة العليا والمال العام، وأكثر استعداداً لتقبل الغش، فقد شجعتهم «عافية» على استغلال شروطها، وادعاء المرض، ودفعت إدارات المستشفيات والعيادات الخاصة والأطباء إلى استغلال ثغرات النظام للإثراء، وأجروا عمليات جراحية، لا داعيَ لها، وتوسعوا في تركيب دعامات القلب، كما صرفوا أطناناً من الأدوية من دون سبب وجيه، بلعها المتقاعد، لثقته بالجهاز الطبي، دون علمه بأضرارها الجانبية.

يقول الدكتور المعروف، محمد جمال، إنه يكره إجراء أية عملية جراحية لمتقاعد، وإن فعل فمضطراً غالباً، بسبب المشاكل الخطيرة التي تعرّض لها. ويعطي مثالاً بأنه أثناء إجراء جراحة ما، بعد موافقة «عافية» على تكلفتها، يكتشف، بعد فتح بطن المريض، أنه بحاجة إلى عمليات صغيرة عديدة أخرى، وأن أمامه خيار العمل على ما تم التعاقد عليه فقط، وترك المريض لعمليات فتح بطن أخرى، أو القيام بواجبه كطبيب، وقضاء ساعات في العملية بدلاً من نصف الساعة المتفق عليه، وبعدها الدخول في معركة مع شركة التأمين لتعويضه على جهوده ووقته، أو (وهذه من عندي) ترك بطن المريض مفتوحة، والتفاوض مع التأمين على الزيادة في تكلفة العملية. وبالتالي، فإن نظام «عافية» أضرّ كثيراً بالمال العام، وتسبّب في تخريب نسبة ذمم الكثيرين من المرضى ومقدمي الخدمات الطبية.

كما يرى البعض أن تأمين عافية شكل استنزافاً لجهود الدولة وأموالها، بعد أن أصبحت زيارة المرضى للمستشفيات نزهة وروتيناً أسبوعياً، بخلاف تسلّم الأدوية وبيعها للغير. ويقول أحد المعلقين، وهو صادق، إنه ذهب لتلقي علاج طبيعي، فوجد الصالة مكتظة، وبسؤال الاختصاصي الأوروبي عن مدى حاجة كل هؤلاء المراجعين للعلاج، صدمه بقوله إن أغلبيتهم من جماعة «عافية»، التي تعطيهم مجاناً ١٢ جلسة علاج طبيعي، فيستغلونها في الحصول على جلسات مساج، والكل رابح!

‏وقال له إنه اكتشف أن الكويت بها أكبر نسبة مستشفيات خاصة في العالم، بالرغم من أن مستشفيات الدولة لا تقل عنها عدداً وجودة.

أنا متقاعد، ومستفيد من هذا النظام، ولست في معرض الدفاع عن الشركة الكندية، التي تمتلك أغلبية أسهم شركة التأمين، إلا أن الحق يقال إن النظام الذي وضعته الوزارة سيئ، كما أُسيء استغلاله من كل أطرافه، وخرّب أخلاق الكثيرين، لذا تطلّب الأمر استبداله بنظام آخر، بعد أن صارت الأولوية للجانب المالي على حساب الرأي الصحي. وكان للنائبة السابقة عالية الخالد موقف مميز من قانون «عافية» في مجلس الأمة، حيث كانت أول من اعترض عليه، والوحيدة التي صوتت على رفضه، وبينت مثالبه، لكن أصوات الغوغاء تغلّبت على صوت العقل!
* * *
بينت الصور والفيديوهات خلو صالات الانتظار في العيادات والمستشفيات من المرضى، مقارنة بما كانت عليه أيام «عافية»!

هذا يعني: إما أن الأمراض غادرت أجساد المتقاعدين فجأة، وإما أنهم وجدوا الحل في مكان آخر، وإما أن نسبة كبيرة منهم كانت تتغشمر!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top