النظام الإنكليزي والكاتب العدل

يتمتع النظام القضائي في إنكلترا بتاريخ غني يمتد لأكثر من ألف عام، وتطور مع الوقت ليصبح أحد أكثر الأنظمة القانونية تأثيرًا، لأسباب عدة، حيث تعود بداية النظام إلى الفترة الأنجلوساكسونية، عندما قام وليام الفاتح، بعد غزو إنكلترا، بتشكيل نظام قضائي أكثر مركزية، وإنشاء المحاكم الملكية، والعمل بالقانون العام، وتطوره، مستنداً على القرارات والسوابق القضائية بدلاً من العادات المحلية.
ومع القرنين 12 و13 تطوّر النظام القضائي في عهد هنري الثاني، حيث رسّخ منظومة القانون العام، وعيّن قضاة متجولين، نجحوا في نشر العدالة الملكية في جميع أنحاء البلاد، ومن تلك المرحلة نشأت فكرة ممارسة السوابق القضائية، أي أن أحكام أو قرارات القضايا الماضية يكون لها دور في توجيه الأحكام المستقبلية، وكانت تلك بداية ظهور نظام قانوني موحد.

وفي 1215 ظهر الميثاق الأعظم، وهي وثيقة أصدرها الملك جون، والتي تضمنت الحقوق القانونية الأساسية ومبدأ خضوع الملك للقانون، وإرساء الميثاق الأساس للمساءلة القانونية والحماية من الحكم التعسفي، وكان ذلك قبل أكثر من 800 عام.

ومع القرنين 14 و15، وما قبلهما بقليل، تأسست المحاكم الرئيسية، فأصبحت هناك محكمة الملك، ومحكمة الاستئناف، ومحكمة الخزانة، ومحاكم دائمة، وتتعامل كل منها مع أنواع مختلفة من القضايا، الجنائية والمدنية والمالية على التوالي. كما ظهرت محكمة المستشارية للتعامل مع القضايا على أساس العدالة والإنصاف، للتعامل مع مواد القانون العام، التي كانت تمتاز بالصرامة الشديدة.

وفي 1688 وقعت في إنكلترا ثورة «لاعنفية»، نتيجة توترات دينية وسياسية بين البرلمان والملك جيمس الثاني، آخر الملوك الكاثوليك، بسبب استبداده، وتجاهله القوانين، فدعا البرلمان ويليام أوف أورانج، زوج ماري، ابنة جيمس الثاني، للتدخل، فغزا إنكلترا بقواته، وأصبح الملك دستورياً، وهذا أعطى القضاء استقلالية كبيرة، بحيث لا يعزل القاضي إلا بأمر البرلمان، مع حصر الملكية في البروتستانتية، وهذا أدى إلى تولي آل هانوفر، الألمان، العرش البريطاني لاحقًا، وحتى اليوم.

ومع توسيع دور القضاء جرى اعتماد نظام هيئات المحلفين، فزاد من دور الجمهور في العملية القضائية. وتأسست المحكمة العليا في 2009، لتحل محل مجلس اللوردات كأعلى محكمة.

مناسبة الحديث عن القضاء البريطاني يعود إلى وضع ودور «الكاتب العدل»، في الكويت، حيث لا تحظى هذه الوظيفة بما تستحق من أهمية. فعلى الرغم من أنها تتمثل في توفير الثقة والاطمئنان على سلامة وصحة الوثائق القانونية، ولها دور حيوي في النظام القانوني والمعاملات التجارية، فكاتب العدل، في رأي الكثيرين، هو القاضي الوقائي وقاضي العقد وخبير العقود، ومحرراته تحظى بالسرية والخصوصية والكتمان. كما أن المادة 190 من قانون الإثبات الخاصة بالسند التنفيذي، تبين أن لكتّاب العدل حق إصدار السند التنفيذي، وكان آخرها قانون الإيجارات، وما تعلق بضرورة توثيقه وتذييله بالصيغة التنفيذية. وهذه المحررات التي تصدر منه تتمتع بالحماية والحصانة الكافية، لكن هذه الحماية لا تمتد لتشمل من يقوم بإصدارها.

كما أن غالبية دول العالم يتمتع فيها الكاتب العدل باستقلالية شبه كاملة، بعيداً عن الأجهزة الحكومية، مع بقائه تحت رقابتها. وبالتالي يجب التفكير في وضع هذه المهنة بتصرف المهنيين في القطاع الخاص، بحيث تكون هناك مكاتب «كتّاب عدل» في كل شارع رئيسي ومول، وهذا ما نجده في أغلبية دول العالم، ومنها لبنان، الذي على الرغم من صعوبة ظروفه، فإن النظام لم يُساء استخدامه أبداً، حسب علمي.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top