خماسية لبنانية (5)

طوال التاريخ البشري، وفي الكثير من الحروب، كان الطرف الخاسر يثأر، في أحيان كثيرة، من غريمه. فمن خسر بالسيف فسيستعيد حقه بالسيف، ومن خسر بالمدفع فستعود له كرامته بالمدفع، وهذا ما حاولت ألمانيا فعله في حربيها العالميتين!
لكن، حتى الأمس القريب، تغيّر الزمن مع دخول العالم عصر الداتا والمعلومات والذكاء الاصطناعي، التي أصبحت الشركات العاملة بها تساوي عشرات تريليونات الدولارات، فماذا نمتلك أو كان يمتلك «حزب الله» منها؟ لا شيء! فبعد حرب يوليو 2006 بين الحزب وإسرائيل، قرّرت الأخيرة، بناء على توصيات لجنة «فينوغراد»، التي لم نكتب في كل هزائمنا صفحة واحدة مماثلة من صفحاتها الـ600، إنه على إسرائيل تطوير بنك معلوماتها، وتطوير اقتصادها، بمساعدة التكنولوجيا المتقدّمة، من معلومات وذكاء اصطناعي، والصرف بسخاء على مراكز الأبحاث، والتجسس وشراء آلاف العملاء، وربما كانت المهمة الأخيرة الأكثر سهولة. في المقابل، باعت جامعة إسلامية في لبنان عشرات آلاف الشهادات المزوَّرة، للراغبين، ولم يحقق أحد مع الجامعة، لتمتعها بالحماية، هذا غير فضيحة «النجاح القسري» بنسبة %90 لكل المتقدمين للباكالوريا، وبتقدير ممتاز!

مثّل اغتيال السيد حسن نصرالله ذروة التراجيديا الحزينة، التي يعيشها لبنان، وهي فرصة ليعلن فيها، من تبقى في قيادة الحزب، أنه مجرّد مكوّن من مكونات لبنان، وليس «متحكماً» بقراره، وأن ينهي مرحلة التمرّد الطويلة على كيان الدولة، والتوقّف عن تحدّي أنظمة وقياديي الدول الأخرى، والتدخل في شؤونها، والانكفاف للداخل، وتحريم التورّط في أية حروب إقليمية، وألا يكون أداة لأية قوى خارجية، فلا عمق للبنان إلا بثرواته البشرية ومزاياه، ولا وقت أو قدرة لديه لإرضاء أي طرف كان، أو العمل لحسابه. وأنه من سيقف مع لبنان في النهاية هو شعبه ومحيطه العربي، وعلى الحزب تصفية هياكله العسكرية والأمنية والمالية والاجتماعية، والانخراط كلياً في الحراك المدني، فهذا دوره.

لقد نال لبنان الكثير جداً من تطرّف وتسلّح طائفة منه، ونال شيعته الكثير من بقية مكونات المجتمع اللبناني، طوال عقود طويلة، وجاء وقت المصالحة، ونسيان الماضي، وخلق دولة جديدة، كما فعل مانديلا في جنوب أفريقيا، وكما حدث في رواندا، التي خرجت من حروبها الأهلية وهي أفضل وأكثر تقدماً. فكفى لبنان التناحر والنحر المتبادل بين مكوناته، وحان وقت العودة للبنان، الوطن، واستثمار طاقاته الهائلة، البشرية والطبيعية، وهذا يتطلب وجود قيادة واعية وقوية وذات رؤية، فإن تحقق ذلك فكل ما عداه يسهل الوصول له.

نعود ونكرر، مقتبسين من النص القرآني، وليس أقوال فلاسفة، «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ». فقد انتصرت إسرائيل علينا، وسيتكرر انتصارها في عشرات المعارك المقبلة، بسلاح العلم، الذي لا نعرف عنه شيئاً، فهل نعي الدرس ونتعلّم؟.. شخصياً، أشك في ذلك كثيراً.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top