في تُسعُون نهاد

أنت الوحيدة، من غير والدتي وأهلي، التي بقيت معي، لسبعين حولاً أو يزيد، حتى الآن. لم يكن وجودك سلبياً، ولا مكلفاً، أو ثقيلاً، بل كان مليئاً، ولا يزال، بالحب، بالجمال، وبالبسمة والفن الرفيع. أحببت سيرتك من خلال صوتك، أو أحببت صوتك من خلال سيرتك، لا أدري فقد اختلطت عليّ الكثير من الأمور، لكن يهون الأمر لغياب الفارق بين الحالتين.

لقد كان صوتك الشجي الآسر، بجانبي، وأنا صغير ويافع وشاب كبير، وكهل، بعد أن بلغت الثمانين، وسيبقى معي ما حييت، وبسبب هذا الحب اشفق عليّ أصحابي، الشباب، الذين كانوا يعيّرون تعلّقي بصوتك الرخيم، وتركي أو تجنّبي الاستماع لما كانوا يعتقدون أنه الصوت الوحيد الجدير بالاستماع!

لا أعرف الآن، ولا أتذكر، هل أحببتك بسبب حبي للبنان، أو أنني أحببت لبنان بسبب حبي لك، ولرفيع فنك؟ لكن هذا أيضاً لا يهمني حقيقة، فلست قادراً على أية حال على الفصل بين الحالتين. فقد كان لبنان في وجداني منذ الخمسينيات، ولا يزال، وأشاركك البكاء على ما وصل إليه من حال لا تسرّ المحب ولا الصديق.

لقد بلغتِ التسعين يا سيدتي، واستمر حب الملايين معك، دون توقف، والحنين لصوتك، دون ملل، وفي أي ساعة من ساعات اليوم، وبقي الانتشاء مستمراً، وسيبقى كذلك ما حيينا. فلا أزال أنتظر في كل عام أن يأتي نيسان، لعله يبكر ويأتي مسرعاً، فقد شدوت ووعدت بأن نيسان «بكره بيجي»، وحلفت بأنه بُكرا بيِجي ليسألْنا، وبيرِشّ وَرْدو عَ مَنَازلْنا، ومنْخَبِّرو شو صارْ.. منسَمِّعو الأشعار،ْ يللي كنتْ فيها تْغَازلنا.

سأنتظر لبنان، سأنتظر السلام، واذهب معك لمشغرة لأغني معك لقمرها، ولبدر وادي التيم، يا جبهة العالي.. وميزّرة عالغيم، قولو انشالله القمر.. يبقى مضوّي وقمر، لا يطال عزّو حدا.. ولا يصيب وجّو ضيم.

أغانيك الجميلة رسّخت وكرّست، بل وحفرت، برقيق صوتك، في وجداننا حب لبنان، وضيعها وعشيّاتها، متسائلين معك، كيف حال الضيعة.. وكيف أهل الضيعة، وكيف الأسمر يلي كان.. يسمعنا قصدان. كيف حال النبعة.. وكيف حال المرعى، انشالله بالخضرة مليان.. وحاني عالقطعان.

لك ذهبت لبعلبك، ومعك سهرت، وعلى صوتك غفوت، وبصوتك كنت، ولا أزال أستعيد أكثر ذكرياتي حميمية، وأقربها التصاقاً بالفؤاد.

لك الحب، كل الحب والاحترام يا سيدتي، فيروز، مع أجمل تمنياتي لك بالصحة والعافية وعمراً مديداً، فقد كنت محركاً جميلاً في كل سنوات حياتي.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top