مرة ثانية.. الأسد والطائفة

«... ويتكرر مسلسل الطغاة الذين لا يريدون قراءة التاريخ، ولا حتى التعلم من دروسه...!!»
* * *
كتبت في إبريل 2011 مقالا بالعنوان أعلاه، ذكرت فيه بأن عدد العلويين في سوريا يبلغ 1.5 مليون، وما يماثلهم من الشيعة والاسماعيلية، وأكثر منهم قليلا من المسيحيين، بينما يبلغ عدد السنّة أكثر من 20 مليونا، ومع هذا لم يحظ هؤلاء، لأكثر من نصف قرن، بدور ما في إدارة الدولة.

بالرغم من تاريخ العلويين الطويل وعددهم الكبير، نسبيا، قبل أن ينتقل 15 مليونا منهم ليصبحوا أتراكا، إلا أنهم قاسوا دائما من سوء معاملة «الجميع» لهم، وكانت أوضاعهم النفسية والمادية سيئة على مدى تاريخهم، ولكن كل ذلك تغير مع وصول حافظ الأسد الى الحكم في 1971، حيث تحسنت أحوالهم بشكل ملموس، على حساب غيرهم، وأصبحوا من كبار رجال الأعمال، وقادة الأجهزة العسكرية، وامتد نفوذهم الى كل قطاع، بعد ان كانوا الطبقة الأدنى في المجتمع السوري.

ما كان يرعب نظام الحكم البعثي، أو العلوي، في سوريا ويدفعه لرفض أية إصلاحات سياسية، ليس فقط تخوفه من أن أي تنازل سيؤدي في النهاية الى فقد المكانة والامتيازات، وتاليا الحكم، بل وما قد يتعرضون له من أعمال انتقام وتنكيل، كما سبق أن انتقموا ونكلوا بأعدائهم، وملؤوا السجون بالأبرياء، ونأمل أن تقتدي القيادة الجديدة في دمشق بما سبق أن قام به الرئيس الجنوب أفريقي الكبير مانديلا من أعمال عظيمة من خلال مؤاخاة الضحية بالجلاد، وألا ينتهي الوضع بالتخلص من ديكتاتور ليأتي آخر مكانه، وهذا يتطلب الإسراع في إجراء تغييرات دستورية شاملة، والتنازل عن الاستقطاب، وأن تكون سوريا نموذجا لبقية الدول العربية في حكم ديموقراطي شرعي، يحفظ حقوق كل جهة أو طائفة وجماعة، ويبعد شبح الحرب الأهلية عن الجميع، فهل ستنجح القيادة القادمة في ذلك؟ أشك في ذلك كثيرا، فالمنتصرون ينتمون، شئنا أم أبينا، لجبهة النصرة وغيرها من الميليشيات المسلحة.
* * *
كان قدوم بشار للحكم، بعد ثلاثين عاما من حكم والده لسوريا بالحديد والنار، بشارة خير، لشبابه وشخصيته المدنية المتعلمة وتأثره بالحياة الغربية، ولما تعلم ربما وسمع به عن مصير الطغاة، لكن تبين أن الجميع كان على خطأ، فقد استمر على نهج والده، واتباع سياسة الحديد والنار والحرق والدمار، ولم يطلق سراح حتى فرد واحد من سجون سوريا المرعبة، بل زادهم أضعافا، مع زيادة مخاوفه من نجاح الجماعات الإرهابية من نصرة وداعش وغيرها، في الوصول للحكم.

إصراره على البقاء، جلب لسوريا الويلات، وأفقده السيطرة على مساحات ضخمة منها، غير الملايين الذين لجؤوا للبنان والعراق وتركيا وأوروبا، وخسر الاقتصاد السوري الكثير، وفقدت الدولة استقلالية القرار، بوجود قوى خارجية مؤثرة في أراضيها، هذا غير مقتل مئات الآلاف من الشعب السوري.

يقول جون دالبرغ أكتون: «السلطة المطلقة.. فساد مطلق»،

ويقول تشرشل: «الديموقراطية هي أسوأ نظام حكم باستثناء كل الأنظمة الأخرى التي تمت تجربتها».

ولو تعلم الأسد واتعظ من المصير الذي انتهى إليه من سبقوه من طغاة، لتغير وجه تاريخ سوريا. فالفرحة التي عمّت مدن الشام لسقوط نظام الأسد ذكرتنا بالفرحة التي عمّت الكويت بعد تحريرها من الطاغية الآخر، صدام، الذي فشل بشار في تعلم شيء من المصير الذي انتهى له، واعتقد أن بإمكانه حكم سوريا إلى الأبد!

يتساءل البعض عن سبب كراهية شعوب عربية لنا في الخليج، وبالذات في الكويت، والجواب يعود أساسا للجهل من جهة، ولما ننعم به من خير وأمان واطمئنان لا تعادلها كل ثروات الدنيا. لهذا كتبت قبل ايام بأن من متع الحياة أن يضع الإنسان رأسه على المخدة، في نهاية اليوم، ويستغرق خلال ثوان في نوم عميق، فهل عرف بشار وصدام والقذافي مثل هذه المتعة يوما؟!

ختاما، إن الفضيلة الوحيدة التي تحسب لبشار، على مدى ربع قرن، أنه هرب من المواجهة، فحقن الكثير من الدماء.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top