مشكلتنا معها.. ومشكلتها معنا!

قال «هو تشي منه»، الزعيم الفيتنامي، يوما: «لا يوجد بيت مدمر، أو حجر مبعثر، أو يد مبتورة، أو أم ثكلى، أو أمة مشوهة، إلا وستجد أن لأمريكا أثرًا أو يدا»! مقابل ذلك يقول آخرون؛ من الكويت وألمانيا واليابان وكوريا والصين الوطنية وسنغافورة، وربما ستأتي سوريا معها، وغيرها الكثير، ان لا دولة تحررت ولا حجر بني ولا يد مبتورة تم وصلها، إلا وتجد أن لأمريكا يدا في ذلك. فكما أنها الدولة الأكثر عظمة وعطاء في التاريخ البشري، فهي أيضا الأكثر بطشا وأذى. فثرواتها الهائلة خربت سياسييها وشركاتها وإدارييها، فهي تشبه بعض أخطر الادوية؛ تشفي ولكن قد تكون لها آثار جانبية، قاتلة أحيانا. فجائحة كورونا التي حصدت أرواح الملايين، كادت أن تكون كارثية على البشرية، لولا الأمصال التي نجحت أمريكا في التوصل لها بصرف عشرات مليارات الدولارات، وفي وقت قياسي، وأمريكا فقط، من بين كل دول العالم التي كان ولا يزال بإمكانها إنقاذ العالم من أية كارثة طبيعية، داخلية أو خارجية.

ينقل عن هنري كيسينغر قوله ان من يعادي أمريكا فإن لديه مشكلة، أما من يصادقها فمشكلته أكبر. فدورها في الإطاحة بمصدق في إيران، في بداية خمسينيات القرن الماضي معروف، لكن دورها في وقف حرب السويس ومنع غزو فرنسا وبريطانيا وإسرائيل لمصر، بعد تأميم قناة السويس، ومنع سقوط مصر واحتلالها لا يود أحد تذكره.

أمريكا ليست دولة ولا نظاما، بل كتلة ضخمة ورهيبة من المصالح المرتبطة بأعتى وأخطر الجهات وأكثرها نفوذا وخطرا وقوة كالبيت الأبيض ووزارة الدفاع وناسا والمخابرات المركزية ومكتب التحقيقات، والبنك الفدرالي، وعشرات الإمبراطوريات الصناعية، والمواد الاستراتيجية، التي تتعامل بمئات مليارات الدولارات. وسبق أن قيل: ما يصلح لجنرال موتورز يصلح لأمريكا، كناية عن أهمية شركاتها في عملية اتخاذ القرار. واليوم تعتبر شركات أمريكا العملاقة، كمايكروسوفت وأمازون، وفيسبوك، وغوغل، و«الأخ ماسك» أقوى وأشد تأثيرا بآلاف المرات مما كانت عليه جنرال موتورز.

أمريكا عملة عالمية وأساطيل ضخمة، وقوة نووية هائلة، والدولة الوحيدة القادرة على شن الحرب على أكثر من جبهة، بسهولة نسبية، وهي أيضا الدولة المدينة الأكبر في التاريخ، بعد ان وصلت ديونها لـ34 تريليون دولار، ومع هذا هي الأكثر استقطابا للاستثمارات، خاصة سندات الدين، والوحيدة التي تهفو نفوس نصف سكان العالم للهجرة اليها، والدولة الوحيدة التي يمتلك فيها شخص واحد، ممثلا برئيسها، كل تلك القوة الرهيبة على إصدار أوامر يمكن أن تقلب مصير أمم رأسا على عقب، وتؤثر في أوضاع العملات، وتنهي وجود صناعات، دع عنك تأثيرها في الأفراد والمؤسسات.

أمريكا بالفعل نعمة ومصيبة، في الوقت نفسه، ويستحيل لأية دولة أو قوة الاستحواذ على قلبها، وحدهم الصهاينة، نجحوا على مدى مئة عام تقريبا، بصبر عجيب، في حياكة علاقة خاصة بها، وتمكنوا، بجهودهم وأموالهم ووقتهم، من اختراق مؤسسات القرار فيها، وربما لا يزال القضاء، الجهة الوحيدة البعيدة عن أذرعها الطويلة.

لقد كان من السهل، بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى منتصف السبعينيات، خلق لوبي عربي داخل أمريكا، بقليل من الجهد، لكن تشرذمنا، أو بالأحرى تخلفنا، منع ذلك، وما تحظى به إسرائيل اليوم من مكانة غير عادية يعود لجهودها وأموالها وتقدمها.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top