دكاترة الجامعة و«التطبيقي» والقضاء
ربما تعتبر هيئة التعليم التطبيقي والتدريب التقني والمهني اكثر جهة دار لغط حولها، مع تكرار فشلها، وتكرار تغير إدارتها، في تاريخ التعليم بالكويت.
لم أهتم كثيرا بأوضاعها، لكن يبدو أن الكثيرين أصبحوا يشكون من استمرار تدهورها، بعد فشلها في رسالتها المتمثلة في بناء الكوادر الوطنية المتميزة علميا ومهنيا وفق أفضل المعايير والممارسات والشراكات من خلال بيئة تنافسية حاضنة ومحفزة للإبداع والابتكار والبحث العلمي والتطوير لتلبية متطلبات التنمية المستدامة وفق قيم الهيئة من ابداع وشفافية وجودة، كما ورد في موقعها، فلا يوجد على أرض الواقع شيء من ذلك، فغالبية من درسوا فيها لم يتميزوا بشيء، كما أن من قابلتهم منهم للعمل لدي، لم يقنعوني بأنهم تلقوا تعليما أو تدريبا جيدا، دع عنك متميزا.
يقول العارفون بخبايا الهيئة ان مشكلتها تنحصر في أمرين، يتعلق الأول بحجمها الضخم الذي تصعب إدارته بسبب تشعب فروعها، وتضاربها. والآخر يتعلق بما اشتهر عنها كونها المكان الأفضل لعمل غالبية حملة الشهادات العليا غير المعتمدة، وبعضهم من موظفي الهيئة، الذين درسوا على حسابهم الخاص، وهم في وظائفهم، لكن لم يقوموا باعتماد شهاداتهم من التعليم العالي، ومعظمهم من المنتمين لحزب ديني معروف، ونجد تركيزهم في الكليات النظرية، كالشريعة والتربية الأساسية. وتم تسهيل التحاقهم لرغبة بعض مسؤولي الهيئة، ممن يحملون مؤهلات مماثلة، للتغطية على أنفسهم وحماية مراكزهم؛ بتوظيف المزيد من أمثالهم. وبالتالي فشلت الهيئة في عملها لضعف قدرات مدرسيها، واستحالة من بإمكانه إدارتها بكفاءة عالية لتنوع مدارسها من تمريض وموسيقى وأزياء وشريعة، وعلم نفس، وسياحة وتكنولوجيا، ورياضة وغيرها. هذا العجز قلل من مستوى وقيمة مخرجاتها، ودفعها بعيدا عن دورها العظيم في رفد سوق العمل بمتطلباته وحاجاته الماسة من الفنيين والعمالة المدربة والماهرة، التي تبينت خطورة دورها عندما صدر قرار هيئة العمالة بالتخلص من الوافدين. وقد انكشف هوان حالنا خلال جائحة كورونا، وبعد تنفيذ قرار هيئة العمالة بعدم تجديد عقود عمل من بلغوا الستين، ولا يحملون شهادة جامعية، فلا كفاءات كويتية كافية بإمكانها الحلول محل الوافد في أي من مئات المهارات المطلوبة، بخلاف الوظائف المكتبية الإدارية التي نشكو من تخمة العاملين فيها بسبب فشل الخطة الدراسية، أو بالأحرى غيابها، فمن المؤسف أن نكتشف أن المدرسة الصناعية، مثلا، افتتحت في عام 1952 في عهد أبي التعليم الحديث، الشيخ عبدالله الجابر الصباح، وبعد 72 عاما لا نرى بيننا فنيا واحدا من خريجي تلك المدرسة، ولا من يماثلهم من التطبيقي، في عشرات المهن المهمة التي نحن في أمس الحاجة لها.
تجربة لبنان في هذا المجال تستحق الدراسة، فهي الدولة الوحيدة، في عالمنا، التي نجحت في سد كل احتياجاتها من فنيين وعمال وخبراء في مجال الخدمة الفندقية والسياحية والمطاعم، وبتميز كبير. كما أصبح هناك طلب مستمر على خريجي مدارسها المهنية والفندقية، وبينهم قمم حققت نجاحات باهرة داخل لبنان وخارجه، لأن تلك المدارس ربطت مخرجاتها بحاجة السوق، ولم تربطها بمزاج الطالب، كما حصل لدينا. كما وزعت مدارسها ومعاهدها المهنية على مختلف المناطق وبتخصصات مختلفة وإدارات مستقلة، مما أتاح لها التركيز أكثر على النوعية.
نتمنى على وزير التعليم العالي، المتفرغ للوزارة كليا، تكليف جهة خارجية مستقلة النظر في صحة شهادات كادر التدريس في هيئة التعليم التطبيقي. والتكرم بالنظر في تفتيت مدارس وكليات الهيئة، وجعلها أكثر كفاءة.
أحمد الصراف