الفقير الكويتي.. وخوري الكنيسة
الفقر ليس عادةً ولا يمكن اعتباره شيئًا من طبيعة البشر، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية، وأحيانًا فردية. فالفقر موجود في كل مجتمع، وهو نسبي. ففي الدول الغنية يمتلك الكثيرون سيارات ويسكنون في فيلات، ويسافرون كثيرا، ومع هذا يعتبرون أنفسهم فقراء، لأنهم يقارنون أنفسهم بغيرهم.
الفقر الحقيقي ينتج عن سوء توزيع ثروة الدولة والاحتكار، وغياب فرص التعليم والتوظيف، وتقاعس الحكومات عن تقديم خدمات اجتماعية كافية، واستمرار وقوع الكوارث الطبيعية، والحروب الأهلية، او التورط في قضايا ومعارك خارجية، وغيرها، وكل هذه الأمور لا تنطبق على المواطن ولا المقيم، ولا حتى الدولة نفسها!
بالرغم من أن الطبيعة البشرية قائمة على الطموح والسعي لتحسين ظروف المعيشة، وأن يكون لدى الإنسان ما لدى غيره من ماديات، فان الفقر يظهر فقط عندما تكون هناك عقبات تمنع الناس من تحقيق إمكاناتهم. فلا يمكن القضاء على الفقر بغير تغيير الكثير من المفاهيم. فالفرص الاقتصادية في الكويت موجودة، ووسائل تحقيق الثروة متوافرة، وكل ما نحتاج له هو تغيير المفاهيم من خلال تعليم مميز، وجعل مادة التفكير النقدي أساسية في الدراسة، لكي يمكن الخروج من دائرة الفقر والجهل والمرض القاتلة. فعلى سبيل المثال قامت الحكومات المتعاقبة، على مدى 70 عاما تقريبا، بعرض أسهم العديد من الشركات للبيع. كما قامت شركات خاصة وأسر تجارية بتحويل كياناتها لشركات مساهمة، من خلال طرح نسبة من أسهمها للجمهور، مثل شركات عائلية تجارية واستثمارية معروفة ورصينة، ومن واقع خبرتي، لم تتقدم لشرائها، بالرغم من جدواها الاقتصادية إلا نسبة ضئيلة ممن يعتبرون أنفسهم «فقراء»، وكانت الحجة في الغالب «ما عندنا فلوس»، أو لاعتقادهم بعدم شرعية تعاملات البعض منها، فكانت فرصة لغير المؤمنين بهذه الحجج ليحققوا من وراء شراء أسهمها مبالغ ضخمة، وبقي من ترددوا في شرائها يشتكون من فقر حالهم، ومن تراكم الديون عليهم، غير مدركين، أن في عالم اليوم، أصبحت أمور الحلال والحرام غير واضحة إلا في حدود ما نص عليه في الدين. فشركة البورصة، التي هي جزء من اقتصاد الدولة، عرضتها الدولة بسعر بخس، فتردد الكثيرون في شراء أسهمها، وبعد ثلاث سنوات تقريبا تضاعف سعرها عشرين ضعفا. وسبق أن كتبت مطالبا أصحاب الدخل المحدود بالذات، بشراء اسهمها، لكن الغالبية اكتفت بـ«التحلطم»، وخلق الأعذار.
تقول النكتة ان خوري كنيسة وجد نفسه وسط عاصفة هوجاء فمر به من عرض مساعدته، فرفض رافعا اصبعه للسماء، أي أن هناك من سيحميه. زادت السيول في الطريق ووصلت للركب، فمر به سائق تراكتور وعرض مساعدته، فكرر الخوري رفع إصبعه للسماء. زاد المطر أكثر ووصل لما فوق وسطه، ومر به صاحب قارب وعرض مساعدته فاكتفى برفع إصبعه للسماء، وأخيرا زاد منسوب الماء، وغرق الخوري المسكين الذي لم يكن يتقن السباحة، فاشتكى لربه الذي لم ينقذه، بالرغم من جليل أعماله، فجاءه الرد بأن السماء أرسلت أكثر من شخص لمساعدته لكنه رفض جميع عروضهم.
حال الخوري هو نفس حال جماعتنا الذين فوتوا، وغالبا «جهلا»، كل فرص تحقيق ثروة ما لأسرهم، ربما لأنهم فضلوا عليها الاقتراض للصرف على «سفرة الصيف». وعندما قرصتهم فوائد البنوك ارتفعت أصواتهم مطالبة بإسقاط القروض برمتها.
أحمد الصراف