النبيل.. الغائب الحاضر
«.... شكراً على موافقتكم على إعادة العمل بذكر أسماء الأعضاء الذين يتغيبون عن لجان المجلس وعن جلساته، مما يتسبب في رفعها، وهذه أول جلسة، منذ شهور، تعقد في الوقت المحدد، وهذا يعود للقرار الذي اتخذه الرئيس (مرزوق الغانم). ونتمنى كذلك أن يطول الإصلاح مسألة منع النواب من تقديم معاملاتهم للوزراء للتوقيع عليها، بالذات خلال انعقاد الجلسات، لأن تصرفهم يخلق تشويشاً، وتغيب عن الوزراء مجريات الجلسة، علماً بأنني ضد تقديم المعاملات للوزراء أصلاً، وعلى الوزير رفض التوقيع خلال الجلسات....»
* * *
أنهى النائب نبيل الفضل قول الفقرة أعلاه وبعدها بلحظات فقد وعيه، وسقط من على مقعده، وتُوفي من فوره نتيجة فشل كلوي، أو توقف القلب، وكان ذلك يوم 22 ديسمبر 2015، أي قبل 9 سنوات بالتمام.
* * *
لم يكن النائب السابق شخصاً عادياً، في أمور ونواحٍ كثيرة، لذا لم يكن غريباً على مَن عرفه عن كثب ملاحظة الطريقة التي قرر فيها دخول السياسة، عن طريق النيابة، حيث فاجأ الكثيرين برفض إقامة مقر انتخابي أو صرف دينار على حملته الانتخابية، لعدم إيمانه بتلك الوسيلة للترويج لنفسه، ومع هذا اكتسح الجميع، في أول تجربة نيابية، من دون بيارق ولا أعلام ولا خيام ولا بوفيهات ولا حتى خطب أو وعود شعبية رنانة، غير ملزم تحقيقها.
مع بدء الحياة النيابية، وممارسة الفضل دوره، تبين أننا أمام شخصية مختلفة تماماً، وأعتقد أن حتى أعداءه، وربما كانت أعدادهم أكثر من محبيه، فُوجئوا بتميز طرحه عن البقية، ورفضه الانجرار لأساليب الغوغاء، والمزايدة وملاحقة الاستجوابات، بل كان، كما أصبح تالياً، ابنه «أحمد الفضل»، وخليفته في الكرسي النيابي، نائباً محترفاً لا يضيع وقته على الصغائر أو توافه الأمور، وتمرير المعاملات، وإرضاء الناخبين، بل تفرغ كلياً لعمله النيابي، من دون أن ينسى الحاجات المنطقية لأهالي منطقته الانتخابية.
أداء الراحل نبيل الفضل، داخل مجلس الأمة، كان نقطة تحول وخطاً فاصلاً بين سابق حياته، وتجاربه، وبين واجباته الجديدة، فقد كان مثار احترام وتقدير الجميع، تقريباً، وكانت وفاته المفاجئة، صدمة للجميع، بمن فيهم من بقي على خصام معه.
لا نتمنى حتماً عودة مجلس الأمة بمثالبه السابقة، قبل تحصينه وتعديل دوره، فقد بذل الصديق الراحل الفضل الكثير لتعديل ذلك المسار، لكن معارضيه كانوا الأكثرية، وشاء القدر أن يفارقنا وهو لم يتجاوز الـ66 عاماً، ممارساً، بإخلاص عمله التشريعي والرقابي، ليكون بذلك أول نائب في تاريخ الحياة النيابية يتوفى داخل القاعة، صادق المشورة، صاحب رؤية ثاقبة، محباً للوطن، ومخلصاً في النصيحة، ونزيهاً في الرأي.
* * *
ملاحظة: مخزٍ ومعيب هذا الفضول والتشفي السمج، من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر صور وأسماء بعض المشاهير، ممن فقدوا الجنسية نتيجة صدور مراسيم. فليس في الأمر جريمة أو فعل مخل بالشرف، يبرر هذا النشر!
أحمد الصراف