نزيف التموين.. بعيداً عن التخوين
انتشرت على وسائل التواصل أنباء عن نية الحكومة تغيير طريقة عمل شركة التموين، المكلفة تزويد المواطنين ببعض احتياجاتهم من المواد الغذائية المدعومة، من خلال وقف العمل بالطريقة التقليدية الحالية، والقيام بدلاً منها بإيصال المواد، بعد تقليل نوعياتها، لمنازل المواطنين مباشرة، حسب الطلب المقدم من كل أسرة على برنامج سهل، الذي عن طريقة يمكن حصر عدد أفراد الأسرة المستحقين، وحصتهم الشهرية من المواد، بدقة أكبر، علماً بأن نسبة هؤلاء، من مواطنين ومن العاملين معهم، من غير الكويتيين، تقارب نصف سكان الدولة!
لا شك في ان الطريقة المقترحة ستكون لها فوائد جمة وستوقف الهدر، وتقلل من عدد فروع الشركة، وتقلل كذلك من أعمالها الورقية والروتينية، ولكنها من جانب آخر ستحتاج إلى شراء وإدارة أسطول من السيارات لنقل المواد لأكثر من مئتي ألف بيت وشقة، وفي فترة قياسية، هذا بخلاف ضرورة إيجاد مواقف لهذه السيارات وورش صيانة، والتأمين عليها، هذا غير قيمتها وأقساط التأمين السنوية عليها، ومراقبة طريقة استخدامها، وما يتطلبه كل ذلك من عدد كبير آخر من الموظفين والفنيين لتنظيم عملهم، وهذا الجيش سيعمل غالباً في أيام معدودة، ويبقى بلا عمل بقية أيام الشهر. وبالتالي من الأفضل تنظيم طلب المواد إلكترونياً، ومن ثم تحديد الوقت الذي بإمكان المواطن الحضور فيه شخصياً، أو إرسال من ينوب عنه، لتسلّم طلبيته، من دون طول انتظار، من منفذ معين، وتوفير كل الجهد والمال المطلوب لشراء أسطول النقل وإدارته.
ستبقى مشكلة الهدر واستنزاف موارد الدولة، كما هي، بسبب العجز حاليًا عن ضبط الوضع، فإدارة شركة بحجم ونشاط «التموين» ليس بكل هذا التعقيد، وحتماً ليس أكثر تعقيداً من شركات أغذية كبرى تتعامل بمئات الأصناف، ومع هذا لا تشكو من كل هذه المشاكل.
لقد تعرّضت شركة التموين، منذ تأسيسها، للهجوم من أطراف عدة، سواء كانوا من المخلصين المطالبين بضبط أوضاعها، أو من الذين تضرروا من وجودها، لكنها كانت تختار غالباً عدم الرد، ولا يعني ذلك أن أمورها جيدة، بل قد يكون العكس أقرب للحقيقة، فقد بيّن تقرير، صدر قبل فترة عن وزارة التجارة، عن إلغاء 61 ألف بطاقة تموينية خلال شهرين، وهذا من علامات الهدر، فكيف تراكم كل هذا العدد من دون إلغاء، وما الضمان أن جزءاً كبيراً منها لم يتم استغلاله بطريقة سيئة قبل أن يلغى تماماً.
إن قيمة المواد المدعومة التي تصرف للمواطن عن طريق هذه الشركة في ازدياد، ومحاولات تهريب بعض المواد لخارج البلاد مستمر، وإن بوتيرة أقل، ولن يحل المشكلة تعيين كويتيين لمراقبة أفرع الشركة، فمعظم من يدير الجمعيات التعاونية، مثلاً، منذ نصف قرن، هم من عظام رقبة الكويتيين، ومع هذا لم تتوقف المخالفات فيها.
لا شك في أن إدارة شركة التموين بحاجة إلى نفضة، ولا شك في أن نظامها بحاجة للتطوير، ولا شك في أن من ينادون بإغلاق الشركة لديهم شيء من وجهة النظر، التي تستحق الاستماع إليها.
أحمد الصراف