أين أخطأنا؟
قامت «الناشنال جوغرافيك» الأميركية قبل ستين عاما (ديسمبر 1952) بنشر تحقيق مصور عن الكويت. تضمن التحقيق صورا جميلة ونادرة للحياة في ذلك الوقت (ولا أعرف لماذا لا أرى مثلها أو نسخا منها في المتاحف والدوائر الحكومية والصالونات، بدلا من تلك التي تظهر حواري متربة وبيوت طين متهالكة، ولست هنا في معرض التقليل من أهميتها).
كتب التحقيق بول كيسي، وعنوانه: الازدهار في الكويت، مشيخة مغمورة في الخليج الفارسي الغني بالنفط، تستخدم ثروتها في تحسين حياة شعبها!
(ولو تمعنا في هذه الجملة لوجدنا أنها تختصر الكثير من الأمور، وتبين طبيعة العلاقة بين أسرة الصباح، وبقية أسر الكويت، فقد تحلى الطرفان بقدر كاف من الذكاء، بحيث جنبا الدولة الوليدة مخاطر الانقسام والتشتت، التي أصابت الدول العربية كلها تقريبا، نتيجة رفض الاستفراد بالثروة لطرف على حساب طرف آخر، وهو الأمر الذي ميز الكويت طوال تاريخها).
ويقول كاتب التحقيق إن الكويت تقع في زاوية من الصحراء العربية، وإنه شاهد ثورة سلمية يواجه فيها الإنسان أعداءه التقليديين «الوقت والمسافة والمناخ» وينتصر عليها، وجائزته النفط. ويقول إن من حقولها النفطية الــ 135 يتم استخراج 800 ألف برميل يوميا، ويبلغ احتياطيها 16 مليار برميل، أو نصف احتياطيات الولايات المتحدة، المعلنة (في ذلك الوقت). وأن مواردها تبلغ 150 مليون دولار سنويا، وتمثل %50 من حصتها من إنتاج النفط، وهذه الثروة تذهب بكاملها للحاكم المطلق السلطات الشيخ عبدالله السالم، والذي يعد من أثرى أثرياء العالم. ولو اختار صرف ثروته على اليخوت أو الخيول أو دفنها تحت سرير نومه لما سأله أحد. ولكنه اختار إنفاق ثروته الضخمة لرفاهية شعبه، وتم ذلك من خلال برنامج تنمية طموح في بلد ينقصه كل شيء. وفي كل سنوات عملي في الشرق الأدنى لم أر برنامجا تحول مثل هذا.
المقال طويل وفيه صور جميلة، وتوجد نسخ منه برسم الجميع، والتمعن في تفاصيله يجبر الإنسان على التساؤل: أين أخطأنا؟ وكيف أصبحنا في مثل هذا المستوى المتخلف بعد 60 عاما من الخطوة الأولى في طريق التقدم والازدهار؟ ولماذا سبقتنا دول كثيرة أخرى؟ ولماذا، كما تظهر الصور والتقرير، كنا أكثر إنسانية وتسامحا مع الغير، ولم يكن لقضايا الاختلاط والعنصرية والتحزب الديني، وحتى جمهور الملتحين مكان في حياتنا؟