ثمن الروح 3000 روبية
من التصرفات الحضارية، التي يفتقدها الكثيرون في مجتمعاتنا، فضيلة الاعتراف بالخطأ، والإصرار على المكابرة، والاعتقاد بأنه من الممكن تجاهل المحتوم، ومقاومة التطور البشري. لكن أن تأتي هذا الأمور، غالباً، متأخرة، خير من ألا تأتي أبداً!
* * *
كتبت في عام 2010 وقبلها وبعدها، مقالات عدة عن موضوع جرائم الشرف، وبالذات المادة الـ153 من قانون العقوبات، التي تسمح بإصدار أحكام مخففة على من يرتكب «جريمة شرف»، وهي أبعد ما تكون عن الشرف!
تتعامل الدول الإسلامية، عدا ثلاث أو أربع منها، بخفة فاضحة مع جرائم الشرف، التي تكون ضحيتها امرأة أو فتاة تُقتل على يد أخ، زوج، أب، وأحياناً خال أو عم، لمجرد «الشك» في علاقتها برجل، أو حتى لمجرد إشاعة ملوثة لشرف العائلة، الذي يرتبط، لأسباب تربوية وبيئية وموروثات عقائدية، بمناطق معينة من جسم الإنسان، وبالتالي لا علاقة للتهمة بفضائل الصدق والأمانة والغيرة على الوطن، وشرف الكلمة وغير ذلك، وغريب أن نجد من هو على استعداد لقتل فلذة كبده لمجرد الشك، الذي باسمه ارتُكبت، وتُرتكب، آلاف جرائم القتل، وما يسهل ذلك تسامح بعض القوانين مع مرتكبي هذه النوعية من الجرائم البشعة، مع ما تثبته التحقيقات، في أحيان كثيرة، من براءة الضحية من أي فعل جنسي، وبالتالي سيستمر القتل طالما كان المجتمع متخلفاً، وقوانينه متسامحة مع مرتكبيها، فقضاء بضعة أشهر في السجن، ودفع 3000 روبية، أو 225 ديناراً، تضمن للمجرم سمعة «رجولية» دائمة.
* * *
لتلافي مساوئ هذا التسامح مع مثل هذه الجرائم البشعة وغير الإنسانية، صرح وزير العدل، المستشار ناصر السميط، بأن هناك توجُّهاً حكومياً لإلغاء المادة الـ153 من قانون الجزاء. فالرجل القاتل للمرأة في قضايا الشرف سيعامَل معاملة أي متهم في جريمة قتل، فنص المادة حالياً يتضمن تمييزاً بين الرجل والأنثى... ومضارها أكثر من نفعها. لكن لم نكن نتمنى القول إنه لا أصل شرعياً لهذه العقوبة، فيكفي لإلغائها أنها مخالفة لحقوق الإنسان.
فمنذ 65 عاماً والمادة الـ153 تعامل القاتل في جرائم الشرف معاملة خاصة، وقد طالبنا مراراً بإلغاء هذه المادة، ولكن «على من تقرأ مزاميرك يا أحمد»، ولمن تكتب، والغالبية لا تقرأ أو لا تكترث لما تقرؤه. فقد كان رائعاً لو كنا بادرنا، منذ سنوات، بإلغاء هذه المادة من دون انتظار إشارات، من هنا وهناك، بضرورة العمل على «أنسنة» قوانينا، لتتسق أكثر مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا ننتظر «ملاحظات» من منظمات دولية ضد الكويت، كما ورد في تصريح معالي الوزير.
وعليه فإن الرجل القاتل للمرأة سيعامَل، بعد إلغاء هذه المادة، معاملة أي متهم في جريمة قتل وتسري عليه أحكام قانون الجزاء.
وكانت الإشارة طريفة إلى أن إلغاء المادة الـ153 جاء تنفيذاً لنص الدستور الذي كفل في المادة الـ29 منه «المساواة بين الناس في الكرامة الإنسانية، وفي الحقوق والواجبات العامة وحظر التمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين! ولا أدري كيف فات الوزير ملاحظة أن المادتين كانتا أمام أعين كل المشرِّعين، والمسؤولين طوال ستين عاماً، فلِمَ لَمْ ينتبه لها أحدٌ من قبل أو يكترث بما سبق أن كتبنا مرات ومرات؟!
لكن مع هذا لا يسعنا إلا أن نشكر السيد الوزير، ومجلس الوزراء، على هذه الالتفاتة الإنسانية، وإلى المزيد منها، في هذا العهد الجديد، فإن يأتي الحق، ولو متأخراً 60 عاماً، خيرٌ من ألا يأتي أبداً!
أحمد الصراف