كيف تحطمت الأسطورة وظهرت الحقيقة؟
منذ منتصف الستينيات، ومع بداية تشكيل وعيي، وقعت في حب الحضارة الغربية، وثقافتها، وكل ما له صلة بطريقة الحياة في دولها، وغالباً سيبقى هذا الشعور معي، ما حييت. لكن مواقف بعض كبار سياسيي الغرب، من بايدن الأمريكي، إلى ستامبر البريطاني، مروراً بشولز الألماني، من المأساة الرهيبة التي تعرض لها أكثر من مليونَي غزاوي، تسببت في إصابتي بصدمة كبيرة، ليس فقط بسبب المخجل من مواقفهم من المأساة، بل وإصرارهم على رفض كل التقارير الصحافية والتلفزيونية، وشهادات المراقبين الغربيين، والمنظمات الدولية عن حجم القتلى، الأبرياء بالذات، وهول المأساة، وما ارتكب خلال 15 شهراً من مذابح لم تعرفها مدينة في القرن العشرين، والجرائم البشعة التي اقترفها الجنود الإسرائيليون، عمداً وعلانية، أمام عدسات عشرات القنوات، من دون خوف ولا خجل، وكان لها أعمق الأثر في إظهار «هراء الحضارة الغربية»، فلا حضارة من دون إنسانية. ولم يكن هناك أصلاً ما يبرر أو ما يمكن فهمه من مواقف زعماء هذه الدول، وغيرهم، من «إبادة جماعية» تحت سمع وبصر العالم أجمع. هذه الإبادة حصلت بتمويل مالي من الديموقراطيات الغربية، ودعم عسكري مهول منهم، تسببت لمحنة نفسية للملايين، وخاصة في الغرب، ومحبي الغرب بالذات، وهم يسمعون ويرون ويتألمون لصراخ مئات الأبرياء وهم يشاهدون كيف تدمر حياتهم وحياة أحبتهم، وتجرف القنابل مزارعهم، وتسحق مدارسهم وتفجر مستشفياتهم وتقصف مساجدهم وكنائسهم، ويتم كل ذلك القتل والدمار، من دون رحمة، ومن دون أن يرف جفن أي رئيس دولة وزعيم دعم إسرائيل وتعاطف معها، قولاً أو فعلاً، ووقف مع وجهة نظرها، وخاصة من شمتوا، بكل صفاقة، بالفلسطينيين، فتسببوا جميعاً في انهيار كل ما بنته الحضارة الغربية، بعد الحرب العالمية الثانية، من أسس القانون الدولي والأخلاق، فأصبحنا جميعاً نعيش بلا أمان، بعد أن دخلنا في مرحلة التوحش، وعصر أصبح فيه للقوي الحق في أن يفعل ما يشاء بالضعيف..
* * *
تعتبر مجلة فورن بوليسيfp من المطبوعات الأمريكية الرصينة، وتصدر عن graham holdings، المالكة السابقة للواشنطن بوست، وتعكس غالبًا وجهات نظر النخبة السياسية والأكاديمية في واشنطن، وتؤمن بدور أمريكا في قيادة النظام العالمي وتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان، وقد نشرت في 7 فبراير مقالاً بعنوان «كيف حطمت غزة أسطورة الغرب؟»، للكاتب الهندي المعروف بانكاج ميشرا، في اقتباس مبكر من كتابه «العالم بعد غزة»، الذي سيصدر عن دار بنغوين بعد عشرة أيام. وهذه ترجمة للمقال، بتصرف.
* * *
في التاسع عشر من أبريل 1943، حمل بضع مئات من الشباب اليهود في غيتو وارسو، كل ما استطاعوا حمله من أسلحة، ووجهوا ضرباتهم إلى مضطهديهم النازيين. كان أغلب اليهود في الحي قد رُحِّلوا بالفعل إلى معسكرات الإبادة. وكان المقاتلون، كما يتذكر ماريك إيدلمان، أحد قادتهم، يسعون إلى إنقاذ شيء من «كرامتهم». ويقول: كان كل ما يهمنا في النهاية هو عدم السماح لهم بذبحنا عندما يحين دورنا. لم يكن أمامنا سوى اختيار طريقة موتنا.
بعد بضعة أسابيع يائسة، طغى اليأس على المقاومين، بعد أن قُتِل أغلبهم، وانتحر بعض من بقي على قيد الحياة في اليوم الأخير من الانتفاضة في مخبأ القيادة بينما كان النازيون يضخون الغاز فيه؛ ولم يتمكن سوى قِلة من الفرار عبر أنابيب الصرف الصحي. ثم أحرق الجنود الألمان الحي اليهودي، مبنى تلو الآخر، مستخدمين قاذفات اللهب الرهيبة.
يمكن قراءة بقية المقال «عندما سقطت إنـســـانـيـة الحـضـــــارة» عـلى الصـفـحـة (14) ■
أحمد الصراف