كوارث قانون الأحوال الشَّخصية

تزايدت حالات الطلاق أخيراً بشكل مخيف، خاصة بين القاصرات اللاتي يتم تزويجهن في عمر أقل بكثير من سن النضج، وهذا يجب أن يثير تساؤلات عن سبب بقاء قانون الأحوال الشخصية، منذ عقود عدة، من دون تطوير شامل، خاصة أن الفتاة تعتبر طفلة حتى سن الـ18، وفق المادة الأولى من قانون الطفل، لكن كانت المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية، التي تنص على أنه «يمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه، ما لم تتم الفتاة الـ15 ويتم الفتى الـ17 وقت التوثيق»، عائقاً أمام المشرِّع، وكان رائعاً ما أعلنه وزير العدل، المستشار ناصر السميط، عن موافقة مجلس الوزراء، على رفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى 18 عاماً، للرجل والمرأة، فهو مؤشر على تراجع سطوة وجبروت قوى التشدد والتخلف، علماً بأن التعديل سيشمل أتباع المذهبين، وبقية الملل، وسيسهم في تعزيز استقرار الأسرة، من خلال تقليل حالات الطلاق، علماً بأننا وغيرنا سبق أن حذّرنا من تعارض التشريع الكويتي المنظم للأحوال الشخصية مع اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي وقعت عليها الكويت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.

جاء قرار مجلس الوزراء ليس فقط انسجاماً مع التطور المدني، ولا حماية لمؤسسة الزواج من الانهيار، ولا تطابقاً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا انسجاماً مع توقيع الكويت على الاتفاق العالمي لحقوق الطفل، عام 1992، بل ولأن المنطق الإنساني يقول ذلك، فكيف لطفلة مراهقة معرفة متطلبات بيت الزوجية من علاقة وعناية ورعاية وطبخ وعمل وحمل وولادة وتربية أطفال، بخلاف عشرات الأمور الحيوية الأخرى اللازمة لإنجاح أي زواج؟ وما ينطبق على الفتاة ينطبق على الفتى، الزوج. والإصرار على إبقاء قانون الأحوال الشخصية على وضعه الحالي هو إصرار على إبقاء التخلف على وضعه، والاستمرار في هدم أسس المجتمع، وأرقام الطلاق بين صغار السن، والأرقام لا تكذب، أمامنا، شاهد على خطأ ما كان يجري.

ما لا يعرفه الكثيرون أن زواج القاصر يعني إما توقفها عن الدراسة، وإن استمرت فسيتم فصلها عن مدرستها، لتكملها في بيئة دراسية مختلفة تماما، لأسباب معروفة. كما يستحيل على الغالبية إكمال تعليمهن العالي، إن رغبن!

نعيد تقديم الشكر لمعالي الوزير المستشار، ولمجلس الوزراء، ونطالب بضرورة إصدار تعديلات قوانين جديدة تتضمن عقوبات على من يتحايل أو يخالف قانون سن الزواج، وهذا ما كان يحدث سابقاً، فمَن أمن العقوبة أساء الأدب. مع ضرورة إعادة النظر في المسائل الأخرى من قانون الأحوال الشخصية، مثل إلغاء ضرورة حصول المرأة على موافقة ولي أمرها على الزواج، خاصة إن بلغت الأربعين، مثلاً، وما فوق. والتشدد في تطبيق قضايا النفقة، وتسهيل لجوء المرأة لطلب «الطلاق القضائي»، وإلغاء ما يسمى بـ«بيت الطاعة»، وغير ذلك من تعديلات مستحقة، التي يفضل القيام بها اليوم، ونقص الحق من أنفسنا، على أن يأتي طرف مستقبلاً ويفرضها علينا.

ملاحظة أخيرة: جاء هذا التوجه التشريعي، كما أكده الوزير المستشار، متسقاً مع الدستور، الذي يضع حماية الأسرة والطفولة والنشء في جوهر مسؤوليات الدولة. وأن تعديل المادتين عكس التزام الكويت بالمعايير الدولية التي تؤكد حق الأطفال في الحماية من الزواج المبكر.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top