القبول بالآخر.. هو الطريق للسلام

يستخدم الكثيرون لقب «عالم»، لوصف وظيفة رجل الدين، أو من درس المواد الدينية، وهذا يعني، بصورة تلقائية، أن الدين أيضاً علمٌ، والحقيقة أن لا هذه صحيحة ولا تلك، فالدين عقيدة، وليس علماً، فالعلم science منهج قائم على الأدلة لفهم العالم الطبيعي، من خلال الملاحظة والتجريب والتحليل، وإخضاع النتائج للتدقيق من قبل آخرين في مجال معين، ويشمل العلم تخصصات، مثل الكيمياء والأحياء وعلم الفلك، وجميعها تهدف لتوسيع معارفنا بما حولنا، من كون وظواهر. فالفيزياء سهلت للبشر معرفة حركة الأجسام، ومسارات الكواكب بدقة كبيرة، وهكذا مع بقية العلوم التي غيرت حياتنا رأساً على عقب. ومن يعمل في هذه المجالات فهو عالم، حسب الفهم العالمي السائد، ولا يجوز إطلاق اللقب على غير العاملين خارج هذا المجال، احتراماً للعالم الحقيقي، فهناك من يعتقد أنه حتى المعارف الاجتماعية ليست علوماً حقيقية.
أما الدين فهو نظام معتقدات وممارسات وقيم روحية وأخلاقية، تنظّم حياة الإنسان في مجتمعه، وعلاقته بخالقه، والكون من حوله، ويضمن إيماناً بقوة عليا أو إله وبنصوص مقدسة، وطقوس وشعائر محددة، وسلوك، وتفسير للكثير من الظواهر، من منطلق ديني بحت، ومع الوقت تطورت هياكله التنظيمية، وقواه العاملة، ووفر للمؤمنين به إطاراً لفهم الحياة، والآخرة، وليشكل تالياً جزءاً مهماً من الهوية الثقافية والشخصية لهؤلاء.

وبالتالي، من باب المقارنة، لا يمكن تفسير ظاهرة تزايد أتباع دين معين، وتناقص أعدادهم في دين أو مذهب آخر، بطريقة سبب تساقط الأمطار نفسها، أو سبب سقوط التفاحة من على شجرة. فقد نخرج في الحالة الأولى بعشرات التفاسير عن أسباب تزايد أو تناقص عدد الأتباع، والتي لا يمكن اتفاق الجميع عليها، أما في حالة سقوط الأمطار والظواهر الكونية الأخرى، فإننا نرى شروحاً واضحة متفقا عليها، لا علاقة للغيبيات بها، وهي من قواعد الكون التي لا تتغير، وليست محلاً للجدال، لأنها قابلة للتجربة المختبرية، وهذا لا ينطبق على الأمور العقائدية.

وبالتالي من الغريب جداً، حتى بالنسبة لي شخصياً، ملاحظة كل هذه القسوة والصلابة والتعنت من هذا الطرف أو غيره، لإثبات كمال عقيدته مقارنة بغيرها، وهو أمر يشبه محاولة إقناع غيرنا، الأبعد عنا، ثقافة ومسافة وفكراً، مع الفارق في التشبيه ، بأن الطعام الذي اعتدنا عليه منذ الصغر، هو أكثر لذة من طعامه، فإن رفض، فهو جاهل، وربما يتطلب الأمر، في بعض الحالات، قتله!

وعليه يجب أن نكون منفتحين أكثر على العالم، وأكثر تسامحاً في فهمنا لعقيدتنا، وتقبّل الاختلاف مع الآخر والتعايش معه، وليس إفناءه، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع، قبل ان تكون متحدة، وبعد أن اصبحت على ما هي عليه من وحدة وقوة وبطش، أن تقضي على الهنود الحمر، بكل ضعفهم وتخلفهم، وهي المحاولات التي بدأت مع وصول كريستوفر كولومبوس لأمريكا قبل أكثر من 520 عاماً، ولا تزال مستمرة.

ولأولي الألباب في الحياة دروس.


أحمد الصرف

الارشيف

Back to Top