تزييف التاريخ.. وسرقة الحقوق
تطرقت قبل أيام لموضوع أصبح له متخصصون، حيث يقومون بتسجيل وبث أفلام، تبدو علمية، تتعلق بأقوال ومنجزات علماء ومشاهير عالميين، تتضمن إشادة عالية بالرموز الدينية، تكون في الغالب بعيدة عن الحقيقة.
فقد نقل عن المستشرقة الألمانية «زغريد هونكه» sigrid hunke، أن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيميائيين ورياضيين وفلكيين هطلت على أوروبا كالغيث، فأحيت أرضهم، لكن صعب عليهم الاعتراف بأحقية العرب في العلم والتأليف والابتكار، لذا نسبوا الكثير من المخترعات والمنجزات في الطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء والحساب والفلك وغيرها لغير أصحابها، فعلى سبيل المثال كان مخترع الغواصة هم البحارة المسلمون، لكن تنسب إلى جون هولاند، ومخترع النظارة الطبية هو ابن الهيثم، لكن تنسب إلى روجر بيكون، ومخترع الطباعة هو العالم الزهراوي، وتنسب إلى يوحنا غوتنبرغ، ومكتشف أمريكا هم البحارة المسلمون، وتنسب إلى كولومبوس، ومخترع الكاميرا هو أيضاً العالم ابن الهيثم، وتنسب إلى جورج استمان، ومخترع الروبوت الآلي هو العالم الجرزي، ولكن ينسب إلى كابيك كاريل، ومخترع البوصلة هو العالم ابن ماجد، وتنسب إلى فلافيو جيولا، ومكتشف الجراثيم هو العالم شمس الدين، ولكن تنسب إلى لويس باستور، ومكتشف الدورة الدموية هو ابن النفيس، وتنسب إلى وليام هارفي.. إلخ.
ولدت زغريد هونكه في ألمانيا (1919–1999)، وتخصصت في الدراسات الإسلامية، وأهم أعمالها «شمس العرب تسطع على الغرب» (1960)، ويتناول أثر الحضارة العربية الإسلامية على أوروبا. وكان لهونكه دور في تغيير النظرة الغربية تجاه الحضارة الإسلامية، لكنها واجهت انتقادات عدة، بسبب ارتباطها السابق بالحزب النازي، ويعتبر بعض الباحثين الجادين أن أعمالها مبالغ فيها كثيراً، ويشككون في قيمة وحجم تأثير الحضارة الإسلامية. علماً بأنه ليس هناك ما يسمى بحضارة إسلامية، مثلما ليس هناك حضارة مسيحية أو يهودية أو بوذية.
نشر مثل هذه المبالغات ليس مشكلة هونكه، ولكن مشكلتنا، فبصرف النظر عن صحة ما ذكرته، وأغلبيته غير صحيح طبعاً، إلا أن المؤسسة الدينية، وتبعتها الرسمية تالياً من دون تفكير، لا تشاركها أصلاً هذا الرأي، ليس من منطلقات علمية، بل لأنها لا تعترف بأفضال هؤلاء العلماء المسلمين، فقبل أن يغزونا التطرف الديني، والسياسي الإخواني، كانت أسماء هؤلاء تطلق على مختلف دور العلم والطبابة، كابن سينا والرازي وغيرهما، ولكن توقف ذلك، بعد أن تمكّنت «الجماعة» من القبض على مفاصل جهات كثيرة في الدولة، ونجحت في منع إطلاق أسمائهم حتى على «سكة»، لأنهم، بعرفهم، لم يكونوا على ملتهم!
كما نسب للعالم بيير كوري (1859–1906) قوله: تمكنا من تقسيم الذرة بالاستعانة بـ30 كتاباً بقيت لنا من الحضارة الأندلسية. ولو كانت لدينا الفرصة لمطالعة الآلاف من كتب المسلمين، التي تعرضت للحرق، لكُنا اليوم نتجول بين المجرات!
هذا كلام مختلق تماماً، فقد توفي كوري قبل اكتشاف انشطار الذرة، الذي حدث في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، فكيف عرف به؟ علماً بأن الانشطار لم يعتمد على كتب قديمة، بل على أبحاث فيزيائية حديثة!
هذا النوع من الاقتباسات المزيفة شائع للأسف، وغالباً ما يتم تداولها لتمجيد ما ليس بحاجة للتمجيد، وهي وسيلة العاجز أو غير المؤمن بصحة عقيدته.
أحمد الصراف