رأي عمر

يرى الأستاذ المحامي عمر العيسى، من خلال منصته على اكس، وعلى ضوء ما يشهده العالم من تطورات تشريعية وطبية واجتماعية متسارعة في ما يتم تصنيفه بالمواد المخدرة، ان هناك قصورا ما، وأصبح من الضروري أن تعيد الحكومة النظر في القانون رقم 74 لسنة 1983، وما تبعه من تشريعات لاحقة، بهدف تحقيق التوازن بين حماية المجتمع من أخطار المخدرات، وبين ضمان عدالة العقوبات وتناسبها مع طبيعة المادة وتأثيرها الفعلي على الفرد والمجتمع.
فهو يرى أولاً ضرورة التفرقة بين المواد الشديدة الخطورة وتلك ذات التأثير «التخديري» المحدود، وأن يُعاد تصنيف المواد المخدرة على نحو يفصل بوضوح بين تلك المواد الشديدة الخطورة، مثل الكوكايين، الهيرويين، المورفين، وعقاقير الهلوسة التي تُحدث تأثيرات مدمرة على الجهاز العصبي المركزي، وتؤدي إلى اعتماد جسدي ونفسي عالٍ، وتسبب أضراراً مباشرة وخطيرة على الصحة العامة والسلوك المجتمعي، ويُعتبر تعاطيها أو الاتجار بها جناية نظراً لخطورتها البالغة، ويسبب الإدمان عليها مرضا يصعب كثيرا التخلص منه، وبين المواد الأقل خطورة مثل الحشيش والماريجوانا وبعض أنواع المشروبات الكحولية، التي تختلف طبيعتها وتأثيرها عن المواد السابقة، وقد ثبت علمياً وطبيًا أنها تُحدث ضرراً جسديا وصحيا أقل نسبياً، ولا تؤدي في معظم الحالات إلى الإدمان الحاد أو الانحراف السلوكي الحاد، ما يستوجب أن تُعامل قانوناً كجنح بدلاً من جنايات، بما يضمن التناسب في العقوبة والعدالة الجنائية. وأحد الأدلة على ذلك أن كثيرا من متعاطي هذه المواد يغادرون مناطق تعاطيها لسنوات طويلة، لأماكن ودول لا توجد بها حشيشة الكيف أو الماريجوانا، ولا يسبب ذلك أية أعراض أو أمراض.

كما يرى ثانياً أن هناك دوافع وأسبابا موضوعية تؤيد إعادة النظر في قوانين التعاطي منها التطورات القانونية الدولية. فالعديد من الدول، بما فيها بعض الدول الأوروبية والأمريكية، قامت بتقنين أو تخفيف العقوبات على حيازة أو تعاطي بعض المواد كالحشيش والماريجوانا، مع وضع ضوابط صحية وتنظيمية صارمة. هذا التوجه العالمي يستند إلى دراسات علمية وتقارير طبية موثوقة تؤكد تباين تأثير هذه المواد مقارنة بالمواد المخدرة الصلبة. كما أن تخفيف القوانين سينتج عنه تخفيف الضغط، بشكل كبير على المؤسسات العقابية، لأن قضايا الحيازة أو التعاطي لمواد خفيفة تشكل النسبة الأكبر من القضايا المتعلقة بالمخدرات، ما يُثقل كاهل الأجهزة القضائية والمؤسسات الإصلاحية، وإعادة التصنيف ستُسهم في تخفيف العبء وتركيز الجهود على محاربة المخدرات الأشد خطراً. كما أن هذا التعديل سيساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، فالكثير من المتهمين في قضايا الحيازة للاستخدام الشخصي لمواد خفيفة يتعرضون لعقوبات جسيمة تُؤثر في مستقبلهم وحياتهم المهنية والاجتماعية، رغم أنهم ليسوا من ذوي السوابق أو المتورطين في شبكات الاتجار، ما يتطلب إعادة تقييم تلك العقوبات بما يراعي مبدأ التدرج والتناسب، لذا يقترح السيد المحامي تعديل القانون رقم 74 لسنة 1983 ليشمل إعادة تصنيف المواد المخدرة إلى فئات بناءً على خطورتها الطبية والاجتماعية. واعتبار حيازة بعض المواد ذات التأثير الخفيف – مثل الحشيش والماريجوانا – جنحة يعاقب عليها بغرامات أو برامج إعادة تأهيل، بدلاً من الحبس. مع إبقاء المواد المخدرة الشديدة الخطورة ضمن إطار الجنايات التي تستوجب العقوبات المشددة.

وأخيراً فاني أؤكد أن التعديل المقترح لا يعني بأي حال من الأحوال التساهل مع المخدرات أو تشجيع استخدامها، بل هو دعوة إلى اعتماد سياسة عقلانية متوازنة تُفرّق بين الخطير وغير الخطير، وتحقق العدالة في تطبيق العقوبة، انسجاماً مع المتغيرات العالمية ومعايير حقوق الإنسان وفعالية العدالة الجنائية.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top