رأت القبس عدم نشر هذا المقال

القرآنيون وشارع الشهداء
هناك حركة دينية حديثة تكتسب زخمًا مع الوقت، تُسمى "القرآنيون"، وهي حركة فكرية داخل الإسلام تؤمن بأن القرآن هو المصدر الوحيد للإيمان والتشريع، ولا تعتمد على الحديث كمصدر مستقل للأحكام الشرعية. ويعتقد هؤلاء أن رسالة الله في القرآن واضحة وكاملة، ويمكن فهمها دون الرجوع إلى مصادر أخرى كالأحاديث أو اجتهادات رجال الدين، ويرفضون اعتبار غير القرآن مصدرًا ملزمًا للتشريع، وكل ما ورد في كتب الأحاديث هو اجتهادات بشرية. ويشجع القرآنيون على محاولة فهم القرآن بشكل مباشر دون وساطة أو تأويلات خارجية.
ظهرت هذه الحركة في العصر الحديث، خصوصًا في مصر، وانتشرت في الهند وباكستان وماليزيا. ومن أشهر قادتهم حاليًا مجموعة من الناشطين مثل المصري والأزهري السابق أحمد صبحي منصور، الذي يُعد من أبرز رموزهم في العالم العربي، وكان أستاذًا في الأزهر، وفُصل بسبب آرائه، ثم هاجر إلى أمريكا وأسس "المركز العالمي للقرآن" وموقع "أهل القرآن"، وينشط في نشر أفكاره عبر الكتب والمقالات والحوارات.
كما أن هناك عبد الله جكرالوي، مؤسس جماعة "أهل الذكر والقرآن"، وغلام أحمد برويز، وهما من باكستان. وقاسم أحمد من ماليزيا، ومن الهند أحمد الدين الأمرتسري، وعبد الله شقرلاوي، مؤسس منظمة "أهل القرآن". وفي العالم العربي هناك أحمد عبده ماهر، ضابط المخابرات السابق والمحامي أمام محكمة النقض المصرية، والمهندس السوري "محمد شحرور" (1938-2019)، الذي يمثل التوجه الليبرالي بينهم. وفي هذا الصدد يقول شحرور إن الدراسات التقليدية للقرآن غير علمية، ويدعم تفسيره للقرآن بمواقف سياسية ليبرالية كالتعددية. كما أكد على ضرورة قراءة القرآن وفهمه في ضوء الواقع الاجتماعي المتغير باستمرار. ووفقًا لشحرور، فإن الإسلام لا يسن أي قوانين، بل يضع حدودًا يتمتع الإنسان في ظلها "بأقصى قدر ممكن من الحرية". ويقول بأن التفسير التقليدي للحدود في الشريعة الإسلامية هو مجموعة من العقوبات المحددة لجرائم معينة. ومع ذلك يرى أن قطع اليد ليس عقوبة السرقة، بل هو عزل السارق عن المجتمع. ويمكن للقاضي أن يحكم على المذنب بالسجن، أو بالعمل التطوعي، على سبيل المثال.
ويقول، في أحد أمثلته العديدة، إن كلمة شهيد فُسرت بطريقة خاطئة، فليس في القرآن ربط بين الشهادة والموت في سبيل العقيدة أو الوطن أو المبدأ أو الفكرة، ولا علاقة للشهيد بالقتال، بل تعني كلمة شهادة في القرآن الشاهد على حدث ما، كالشاهد على عقد بيع مثلًا، "ولا يضار كاتب ولا شهيد". أو الشاهد على حادثة زنا، "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم". كما أن الشهيد من أسماء الله، وبالتالي الشهيد حضوري.
**
لو أخذنا بهذا المنطق، الذي يبدو مقنعًا، فإن شارع الشهيد وميدان الشهيد وبيت الشهيد جميعها تعني الشاهد، فلا علاقة للشهيد بالموت في سبيل الله أو الوطن أو العقيدة!!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top