ما في غيرك يا هلال
بحضور 150دولة عقد في اسطنبول في أبريل الماضي مؤتمر حول المتاجرة بالأعضاء البشرية وسياحة زراعتها، وكان الجانب الأخلاقي مسيطرا على جلسات المؤتمر. فعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهده طب زراعة الأعضاء وما نتج عنه في إطالة عمر وتحسين معيشة الكثيرين، إضافة إلى رمزيته الإنسانية، فان تجاوزات خطرة شابت الأمر من خلال المتاجرة بالأعضاء واستغلال فقر المتبرعين، الأمر الذي تطلب تدخل منظمة الصحة العالمية لإيقاف هذه الجريمة ووضع حد لها. وفي خطوة إنسانية رائعة منسجمة مع مقررات اسطنبول أمر وزير الصحة، د. هلال الساير، بإيقاف عمل لجنة التبرع بالكلى من غير الأقارب، بعد أن قام موفد منظمة الصحة العالمية وأعضاء في جمعية زراعة الأعضاء الكويتية بزيارة له لشرح أهمية التضامن العالمي في هذا الشأن.
وعلى الرغم من الحقيقة المرة المتمثلة بصعوبة القضاء نهائيا على تجارة الأعضاء البشرية، بسبب صعوبة منع من يرغب في بيع كليته مقابل مبلغ من المال من الإقدام على ذلك، إن كان يرى في ذلك إنقاذا له من الفقر والعوز، فان الحقيقة المؤلمة ان المستفيدين الحقيقيين من «كرم» المرضى المحتاجين هم الوسطاء والأطباء وليس المتبرعون، وهنا تكمن خطورة الأمر، فأحيانا كثيرة تستغل حاجة هؤلاء أو جهلهم بتبعات التبرع، او يجبرون على التبرع بأعضائهم سدادا لدين أو غير ذلك.
وهنا نتوقع من الدكتور هلال الساير كذلك التدخل لمنع وسائل الإعلام من نشر إعلانات طلب التبرع بالكلى، المغلفة بأدعية وأجر أخروي، فهذه الإعلانات غالبا ما يتلقفها السماسرة ويقومون بالاستفادة منها بترتيب سياحة زرع الأعضاء وتحقيق أرباح كبيرة من ورائها. كما نطلب منه، على ضوء النقص الكبير في عدد المتبرعين وزيادة عدد المحتاجين لأعضاء بشرية، وضع أطر وقواعد قانونية يمكن من خلالها الإشراف على عمليات التبرع بالأعضاء وحصرها في جهات محددة، والعمل بنظام الأولوية من خلال سجل وطني، ومنع التدخلات السياسية والنيابية في عملية التبرع، والاهتمام بسلامة المتبرع والمريض. كما يتطلب الأمر كذلك إقناع الجهات التشريعية بوضع القوانين المنظمة لاستئصال الأعضاء من الأحياء والمتوفين، وتحديد من هو «المتوفى»! ويتطلب الأمر فوق ذلك من الحكومة إيجاد برنامج تثقيفي وتعليمي لعامة الناس عن مزايا التبرع للغير بالأعضاء، سواء من منطلقات دينية أو إنسانية، بحيث نبلغ منتهى الرقي بالاكتفاء ذاتيا بالأعضاء البشرية.
كما أننا بحاجة الى تشريعات تمنع المتاجرة بالأعضاء او فرض التبرع على المستضعفين، من أميين ومعدمين ومهاجرين غير شرعيين وسجناء أو لاجئين سياسيين، وحتى من المحكومين بالإعدام، والذين ثبت خضوعهم في بعض الدول لبرامج إعدام مرتبة حسب الحاجة لأعضائهم البشرية.
هذا ما نحتاجه من قوانين ونظم حضارية من حكومتنا وبرلمانيينا، وليس الانشغال غالبا بسخافات الأمور، كما هي الحال الآن.