الفرق بين الصفعة والصفقة
في بداية الهجوم البري الأميركي الواسع على العراق في ربيع 2003، ومع ظهور بوادر نجاحه الساحق، تبين للقوات الأميركية انها بحاجة لكميات أكبر مما خططت له من الوقود لآلياتها ولاستخدام الشعب العراقي، وهكذا قام الجيش الأميركي بالاتصال بعدد من الشركات الكويتية لترتيب عملية التوريد، بسبب طبيعة المنتج الاستراتيجية وضخامة الكميات المطلوبة والشروط القاسية التي تضمنها عرض التوريد، فقد أحجمت الشركات «نصف المؤهلة» عن الدخول في المغامرة بسبب كبر حجم المخاطرة، اضافة لعدم توافر المئات من صهاريج الوقود المطابقة للمواصفات في السوق المحلي، مع سائقيها، وهذه مشكلة كبرى. وقد عزم صديق لي على دخول المعترك، ودعاني لمشاركته في الصفقة فرفضت، لان العملية كانت بنظري أقرب للصفعة المالية منها «للصفقة».
دخل صديقي المنافسة ومعه ثلاثة شركاء، وهذا شجع آخرين على منافستهم، ولكن الصفقة انتهت لمصلحتهم في نهاية الأمر! وما ان انقشع غبار المعركة، ونسي الناس مخاطر هؤلاء القريبة من الجنون، وتبين للجميع ما حققوه من ربح كبير لانفسهم وللمال العام، بسبب دور الحكومة الذي تمثل بشراء الوقود من طرف ثالث وبيعه للشركة المحلية، التي قامت بدورها ببيعه للجيش الأميركي، حتى ثارت النفوس، اما جهلا واما حسدا، او حتى شكّا في ان الامر، لا بد ان يكتنفه «الخدش والدس» المعتادان في مثل هذه الصفقات.
تقلبت قضية «هاليبرتون» الشهيرة في اروقة السياسة من لجنة الى أخرى، ومن درجة قضائية الى ما بعدها لينتهي الامر بقيام محكمة الجنايات («القبس» 28/9) بتأييد قرار النيابة المتعلق بحفظ القضية، ورفض تظلم «مؤسسة البترول الوطنية» الحكومية على قرار الحفظ، ان المحكمة اكدت خلو اوراق القضية من أي أدلة على وجود تجاوزات بين مؤسسة البترول وهاليبرتون الاميركية، ولم يكن هناك اضرار بالمال العام، وان العقد ابرم على وجه السرعة مع الجيش لتلبية احتياجات استراتيجية وانسانية للشعب العراقي.
أكتب للتاريخ، كشاهد ليس بامكانه الجزم بشيء غير ان الصفقة كانت تتضمن مخاطرة هائلة اخذها من فازوا بها على عاتقهم وكان من الممكن ان تتسبب في افلاسهم بسبب الضمانات المصرفية الكبيرة التي قدموها. والقاعدة انه كلما عظمت المخاطرة عظم الربح كذلك. وفي جو الفساد العام الذي يلف البلاد فان من اعتقد حقا او باطلا، ان شيئا ما شاب عقد التوريد منذ اليوم الأول، فلا يلام على شكه وظنونه!!