إسلام جدي وهطول المطر
عاش جدي طويلاً وتأثرت به كثيراً، وكان قارئاً وملتزماً دينياً، وحج أكثر من مرة، وبالرغم من أنه كان يقدم مساعدات مادية لدور العبادة والحسينيات فإنه كان يكره رجال الدين المتسولين الذين كانوا يأتون لزيارته من العراق وإيران للمطالبة بحصتهم من خمس «جدهم»!
ومع تدينه وتأثيره الطاغي فإنني لم أسمع منه، أو من أساتذتي في المدرسة، من فلسطينيين ومصريين وكويتيين، ومنهم الجسار ومهنا وشهاب ومحمد علي والأيوب والتركي وكثيرون غيرهم، أن الجهل يكمن في عدم معرفة موضع إبريق التشطيف في الحمام، أو أن المسواك أفضل من فرشاة الأسنان، وأن الزبيبة على الجبين لازم تشوفها العين لعلاقتها بالسراط المستقيم، وان الأظافر يجب أن تقلم، ليس من باب النظافة، بل لكي لا ترتاح الشياطين تحتها. كما لم أسمع منه أو منهم أن جلوس «المرأة» على الكرسي حرام والأرائك والمراجيح حرام لكونها من المفاسد، وأن «الفرشخة» تمكن الجن من الدخول فينا. ولم يحرم رجال الدين في زمانه على المرأة قيادة السيارة، وهو منع لا أصل له لديهم ولا معنى بحكم أن المرأة ممنوعة من الخروج من بيت أبيها إلا الى بيت زوجها أو لتلقي العلاج أو الى المقبرة يوم تموت. وأمام هذا المنع يصبح تحريم الكعب العالي على المرأة ووضع الزينة والعطور والخلاخيل ولبس الذهب من الأمور المضحكة حقاً. ولكن مع هذا يستلزم جلد لابسة البنطلون 40 جلدة أمام الملأ لعدم التزامها الحشمة، وأصبحت الموسيقى محل خلاف كبير بين أصحاب العمائم ومرتدي الغتر الحمراء. ومع زيادة الجرعة الدينية، وتعارضها مع متطلبات الحياة العصرية، زاد استهلاك المهدئات والمسكنات وأدوية علاج الاكتئاب، وهذا أدى الى زيادة الأمراض والأوجاع الأخرى والمصاحبة لها مع كل فتوى، فهذا يحرم حقنة الوريد في رمضان وآخر يحللها، وثالث يسمح بالتحاميل الشرجية ورابع يعارضها. كما عشنا سنوات طوالا نحتفل مع غيرنا بالأعراس ولم نسمع قط ان فتاة في العاشرة تزوجت رجلاً في الخمسين مثلاً، أو العكس! وفجأة أصبح هذا الفعل، وبفتاوى ونصوص شيعية وسنية أمراً مباحاً حتى لو تعلق بوطء طفلة طالما «تحملته». وعاش جدي ومات ولم يمنعني من لعب كرة القدم، التي أصبح لعبها محرماً، إلا بشروط سخيفة، ليأتي آخر ليجيز إفطار لاعبها إن كان عليه تمثيل بلده في مباراة ما. أما الزهور فشراؤها وإهداؤها حرام لشبهة التشبه باليهود والنصارى، أما قيادة السيارة بالنسبة لهم والسفر الى تايلند وشرب الماء المثلج والتمتع بمكيف الهواء فلا تتضمن أي شبهة بالغرب الكافر! ثم يأتي سفيه ليكتب مقالاً يلفت نظرنا فيه لتأخر نزول المطر علينا في هذه الأيام، وأن سبب ذلك يعود الى زيادة ذنوبنا ومعاصينا وظلمنا، والظلم حسب قوله، «يحبس الأمطار في السماء»! ويزيد على كل ذلك بأن تؤخر المطر هو بسبب المعاصي التي يجاهر بها الناس! ولا أعرف ما هي هذه المعاصي والمطاعم والمقاهي بعد أن نجح وفريقه في إققال المطاعم والمقاهي مع منتصف الليل!
نعود ونقول ان الشرهة، أو الحق ليس على هؤلاء الكتاب، ولكن على الإدارة الحكومية البائسة بكل المقاييس التي سمحت وسهلت لمثل هذه الأشكال وأصحاب هذه الأفكار ان يتحكموا في رقابنا ومصائرنا، بعد ان سلمتهم الصحافة والإذاعة والتلفزيون ليفرغوا على رؤوس الجميع كل ما بداخلهم من سموم تخلف وحقد وبغض.