عدم الكمال الذي خلق الكمال
مقدمة: تعتبر المكونات الإثنية لسنغافورة، وإلى حد ما ماليزيا، الأكثر تعقيدا في العالم، حيث يتألف شعبها من صينيين ومالاويين وهنود التاميل. وعلى الرغم من اختلافهم في لون البشرة والتقاطيع واللغة والعقائد والديانة والعادات والتقاليد، فان حكوماتهم نجحت في أن تخلق منهم نسيجا موحدا، ساهم في وضع سنغافورة، ضمن أكثر دول العالم ثراء واستقرارا وتقدما، على الرغم من افتقارها لشتى الموارد والثروات الطبيعية.
تبلغ مساحة سنغافورة 710 كيلو مترات مربعة فقط (الكويت 18 ألف كلم تقريبا) ويعيش على هذه المساحة الضيقة 5 ملايين إنسان، وقد ظهرت للوجود كميناء صيد قبل 190 عاما، ونالت استقلالها عام 1959، واتحدت مع ماليزيا عام 1963، ولحسن حظها، انفصلت عنها بعد سنتين! ولم تتخلَّ الجزيرة عن ديموقراطيتها وتسامحها منذ استقلالها، ورئيسها حاليا من أصل صيني، ورئيسا الوزراء والبرلمان من المسلمين المالاويين، ولا يوجد أي حظر ديني أو عرقي على أي منصب حكومي. وعلى الرغم من أن لغات الدولة الرسمية هي الصينية والمالاوية والتاميل، فان الإنكليزية الرسمية هي السائدة في التواصل والحكومة. ويبلغ دخل الدولة القومي 238 مليارا، مقارنة بــ 200 مليار للكويت النفطية!
النص: توجد في سنغافورة وزارة تهتم بتطوير العلاقة بين فئات المجتمع، وتهتم كذلك بالشباب والرياضة. وقد أنتجت هذه الوزارة إعلانا تلفزيونيا يروج لفكرة التعايش بين مختلف أطياف المجتمع والدعوة، بطريقة غير مباشرة، للزواج المختلط، وكل ذلك في قالب فكاهي لا يخلو من الإبداع والضحك، على الرغم من تركيزه على أحداث تجري في مأتم زوج من أصل صيني وأرملته التاميلية. ويمكن الاستمتاع بمشاهدة المقطع، الذي لا يستحسن ترجمته، من خلال الموقع التالي: http://www.youtube.com/watch?v=nw0s4c0g5sm
لعبرة: على الرغم من تنوع وتعدد أعراق وخلفيات الشعب السنغافوري، لكن حكوماته المتتالية نجحت، خلال نصف قرن، في جعله كتلة منتجة واحدة تعمل لخيرها وخير وطنها، وهذا ليس بكلام إنشائي، فقد زرت سنغافورة عدة مرات ودرست بعض أوضاعها عن كثب، وتمنيت لو كان بإمكاننا الاقتداء بها، ولو في مجال تنظيم حركة السير أو حتى جمع القمامة، دع عنك الصناعة والتجارة!
الخاتمة: وعلى الرغم من أن سنغافورة كانت مستعمرة، وبريطانيا هي التي فرضت مكوناتها العرقية المتعددة، لكن ذلك لم يمنع شعب تلك الجزيرة الصغيرة من تجيير ذلك التنوع الاثني لمصلحتها، كما لم تكتف الغالبية الصينية، أو سكانها الأصليون، بالجلوس على قارعة الطريق واللطم من تآمر الدول الاستعمارية عليهم، بل فعلوا المستحيل لتحويل بلدهم الى ما هي عليه الآن من تقدم بفضل الديموقراطية واحترام كرامة شعبها وعقله! وأجزم بأن مناهج مدارسها لا تتضمن دروسا عن كيفية الاستنجاء، كما هي الحال عندنا، وكأن من وضع مناهجنا افترض أننا أرسلنا أبناءنا للمدرسة من دون تعليمهم كيفية تنظيف أنفسهم بعد قضاء الحاجة