ابن الشيخ ومكارثي
«... أيها الاخوان، ان الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهم الذي اذلنا الا حب الدنيا وكراهية الموت، فاعدوا انفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، رزقنا الله واياكم كرامة الاستشهاد في سبيله..»!
(حسن البنا)
***
في بداية خمسينات القرن الماضي شنّ السيناتور الاميركي جوزيف ماك آرثر حملة شرسة ضد شيوعيي أميركا، وقضى على مستقبل الكثير من الفنانين والسياسيين ورجال الاعمال لمجرد الاشتباه بوجود ميول يسارية لديهم تخالف المصالح الوطنية الاميركية! وقد كان لقرارات لجنته البرلمانية آثار سلبية حادة في المجتمع الاميركي دفع الكثير من الابرياء ثمنها غاليا، كما تسبب لفترة طويلة في القضاء على اي دعوة يشتم منها رائحة تقارب مع الاتحاد السوفيتي او اي دولة شيوعية، والشك في نواياهم مما نتج عنه اطالة امد الحرب الباردة بين الطرفين التي تضرر منها العالم اجمع.
ما نشاهده الآن في دولنا، كما لاحظ الزميل والاعلامي البارز سليمان الهتلان في مقال له في «شفاف الشرق الاوسط» اننا اصبحنا نمر بالحقبة المكارثية نفسها في اميركا، مع الفارق، حيث يعتقد، وهو محق في ذلك، ان الارهاب لم يعد اشكالية فكرية (بين السلطة والجماعات الدينية) او مسألة قابلة للاخذ والرد، بل الامر يتعلق بضرورة قيام حكومات الدول الاسلامية، والنفطية بالذات، بالاصلاحات التعليمية والاقتصادية والسياسية والتربوية وعلى كل الاصعدة الاخرى لدفع المجتمع للانفتاح الخلاق على العالم، (واعطاء المرأة حقوقها الكاملة، اسريا واجتماعيا وسياسيا)، ولكن ما نشاهده على ارض الواقع ان الحكومات كلما اقدمت على اي حركة اصلاحية سرعان ما تواجه بتحذيرات بان هذه الحركات ما هي الا تلبية لدعوات غربية، ومخالفة للدين، وسينتج عنها فساد عظيم!
نعم، لقد آن الاوان للتخلص من المكارثية الدينية الخليجية والانفتاح التام على العالم بصورة متدرجة مع السير بسرعة قصوى في خطط التنمية واصلاح المجتمع واعطاء التربية والتعليم الاولوية على كل ما عداهما، بعد تطوير المناهج وازالة كل ما له علاقة برفض الآخر وكراهيته والسعي، جهادا، او غير ذلك، للقضاء عليه!
وقد ذكرتني دعوة التحذير من التغريب والتحضر برسالة سبق ان ارسلها الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ المفتي، وحفيد محمد بن عبدالوهاب، والتي ورد نصها في كتاب للتويجري، ووصلتني من صديق، ارسلها للملك عبدالعزيز بن سعود قبل حوالي 75 عاما، ينصحه فيها عدم جلب «الاجانب» للتنقيب عن النفط في المملكة، ومنعهم من التجول لان منظرهم محزن للمؤمنين! وغني عن القول ان الملك لم يستمع لتلك النصيحة، ولو التفت لها ابن سعود لتغير وجه المملكة والمنطقة بشكل كامل! وهذا مثال حي على ان العيش في خوف من الآخر وتحريم الاتصال به وتفسير كل دعوة للتحضر والتآلف والاتصال مع الآخر بانها الشر بعينه والخطر الاكبر على العقيدة، لا يمكن الا ان تجر الى التخلف، وان على الدول الاسلامية، والكويت والسعودية بالذات، عدم الالتفات لدعوات التخويف والتخلف والمضي قدما الى الامام، فالحضارة امامنا ولم تكن يوما خلفنا!