شيء من تاريخ تسمية الشوارع
وأخيراً، وبعد انتظار طال كثيراً، حزمت الحكومة أمرها وقرّرت، قبل شهرين تقريباً، إلغاء أسماء كل الشوارع والطرق، مع استثناء أسماء رموز الدولة، ورؤساء الدول الأخرى، بعد كل ما طال تسميات الشوارع من لغط. وسبق أن طالبنا، عبر أكثر من مقال، بتغيير بعض الأسماء المثيرة للجدل، لكن القرار جاء ليحقق أكثر مما كنا نحلم به. وسبق أن كتبت مقالاً، قبل شهر تقريباً، بعنوان «سحب» أسماء الشوارع، كنت ألمح فيه لمسببات سحب جوازات سفر المادة الثامنة، لكن الأغلبية اعتقدت أنني أقصد أسماء الشوارع.
وبالعودة لأحد أكثر اجتماعات «بلدية الكويت» إثارة للجدل، نلاحظ الكيفية التي كانت تطلق فيها التسميات على الطرقات والميادين والحدائق، فقد عقدت اللجنة اجتماعها في 23–10–1969، بحضور محمد صقر المعوشرجي، ومحمد علي امام، وعبدالواحد أمان (وغياب جاسم السميط)، الذين تم تكليفهم، قبلها بخمسة شهور، من قبل «اللجنة المركزية»، للنظر في موضوع تسمية الشوارع والميادين والحدائق، فخرجت بجملة قرارات، كانت في أغلبيتها غير سليمة، لكنها أصبحت جزءاً من تاريخنا. صنفت اللجنة، أو ربما «اللجنة المركزية»، غير المعروف أسماء أعضائها، بعد وفاة كل المعنيين بالأمر، أسماء الشوارع على فئات ثلاث: «أ» و«ب» و«ج». وضمت أسماء الفئة «أ» الشوارع الرئيسية والمهمة، و«ب» الشوارع الفرعية المهمة، و«ج» الشوارع الفرعية الأقل أهمية. وفي غياب أي مذكرة تفسيرية تبين معنى «مهمة» ورئيسية وفرعية، فقد شمل التخبط أغلبية قرارات تلك الجلسة التاريخية، وكان واضحاً تأثر قراراتها بتوجيهات رسمية، وأخرى غير ذلك، وغالباً «إخونجية».
ركزت اللجنة على أمرين: إعطاء مدن الخليج العربي أهمية استثنائية؛ فكان لدبي والشارقة وعمان وأبوظبي، رأس الخيمة ومسقط وعجمان وأم القيوين، نصيب كبير. كما أعطيت فلسطين اهتماماً لم تلقه دولة أخرى، حيث أطلقت أسماء حيفا ويافا ونابلس وجنين وبيسان وطبريا والصفد واللد والرملة وغزة ورام الله والقدس والخليل والبيرة وبيت جالا وبيت لحم، على شوارع مهمة.
ومن الملاحظات الغريبة قرار اللجنة إطلاق اسم هارون الرشيد على شارع من الفئة «أ»، وهو تكريم لم يحظَ به أي خليفة آخر، فهل كانت له «يد خفية أو واسطة» في اللجنة؟
كما تضمنت الفئة «ب» اسماء طرابلس، من دون تحديد أي طرابلس؛ الليبية أم اللبنانية؟ ومن يكون نزار، أو مضر، ليُطلق اسمه على شوارعنا؟
أما شوارع الفئة «ج» فقد وُجد بينها أسماء «أبو يوسف» و«الذهبي» وبلقيس، وربما يكون الشارع الوحيد في الكويت، الذي حمل اسم امرأة، بخلاف زرقاء اليمامة، وكان إنجازها الوحيد أن نظرها كان 6/6. كما ألغت اللجنة أسماء الشوارع التالية: لؤي، وقصي ومازن (وغالباً ليقينها أنها أسماء مبهمة، ولا يعرف المقصود منها)، لكن عوضت ذلك بإطلاق أسماء مبهمة أخرى مكانها، مثل شارع مروان، وغسان، وأياس، فمن يكون هؤلاء؟ كما ألغت اللجنة التسميات التالية: شارع ابن بسام، ودحيّة الكلبي، وما أدراك من يكون دحيّة هذا (!!).
الطريف أن اللجنة الموقرة انتهت من إقرار كل هذا الكم الكبير من الأسماء المتضاربة في انتماءاتها، ومعانيها، وتبعاتها، على شوارع وميادين وحدائق الكويت، خلال ساعتين. لذا كان من الضروري بالتالي التدخُّل، ووضع حدٍّ لهذه الفوضى، حتى لو تأخّر القرار 56 عاماً.
أحمد الصراف