صديقي عباس.. والصراع الإيراني - الإسرائيلي

وجهت إيران وإسرائيل أخيراً، صفعتين، منفصلتين، لكل «المحللين والخبراء» الذين طالما أنكروا أساساً وجود خلاف بينهما، وتكرار القول إن ما نسمع به من اختلافات وتهديدات لا يعدو أن يكون تكتيكاً، فالتعاون والتناغم بين الطرفين هدفهما إرهاب العرب!
* * *
لم تكتفِ إسرائيل بتدمير غالبية المنشآت النووية الإيرانية، بل زادت عليها، وللمرة الثانية في التاريخ، بالقضاء على كامل الصف الأول من قياديي دولة معادية لها، من دون أن تحرك جندياً واحداً، ومن دون أي خسائر مادية حقيقية، حتى ساعة كتابة هذا المقال؛ كانت الأولى في حربها ضد «حزب الله» في لبنان، وكانت الثانية خلال الحرب الحالية، التي يرى المراقبون، المحايدون، أن الأمر لن ينتهي باستسلام إيراني، من أي نوع كان، لكن غياب قيادييها، العسكريين والثوريين والنوويين والاستخباراتيين، قد يجبرها على مراجعة حساباتها، وربما الانكفاء تماماً للداخل، واستخدام مختلف الطرق لإسكات المعارضة.

النتيجة التي وصلنا لها كانت متوقعة، وسبق أن كررنا الحديث عنها، فالسلاح، مهما كان متطوراً وخطيراً وفعَّالاً، لا يعني شيئاً بغير بشر يديرونه، يتمتعون بنفس ما يتمتع به المواطن الغربي من حريات واحترام الذات، وبعد عن العنتريات والتطرف، والإيمان بأن سلاح العلم هو الأقوى، متى ما وضع على الكتف القوية والمتعلمة. ولو كنت شخصياً في مكان أعداء إيران، لما ترددت في القيام بما قامت به ضدها، والقضاء على طموحاتها في امتلاك سلاح نووي، وذلك لعدم ثقتهم بنواياها من وراء امتلاك قنبلة نووية، وهي الدولة الدينية الأكثر تشدداً، وغالباً الأقل اكتراثاً بما سينتج عن استخدامها من خسائر، وتجربة حرب السنوات الثماني مع العراق، خير دليل. لا يعني كلامي هذا تعاطفي مع إسرائيل، فالعكس أقرب للصحة، لكني أتصرف من منطلق «محامي الشيطان»!

يقول صديقي عباس: إن إيران تمتلك كل مقومات البقاء والصمود والمقاومة والرد، ويجب أن نعرف أنها الأمة التي تشربت، عبر التاريخ، بصبر لاعبي الشطرنج، ودقة حائكي السجاد، وعلينا جميعاً دعمها، فهي السند والأمل الأخير أمام الأطماع الإسرائيلية، الآخذة بالتصاعد، لخلق شرق أوسط جديد، موالٍ لها تماماً، واستخدام قوتها العسكرية والمادية والتكنولوجية، لوضع الجميع تحت مظلة اتفاقات إبراهام، وسيكون هذا وبالاً علينا، كعرب ومسلمين، فلن يتبقى لنا كيان ولا كرامة، وسنفقد الكثير، ونصبح أسرى رغباتهم!

قلت لصديقي عباس إن تخوفه مشروع بالفعل، فحفظ كرامتنا هو أعز أمانينا، ولكن هل أصبح أسلوب الحياة في «إيران» هو أملنا، وهي المثال الأعلى؟ وهل إيران مهيأة أو على استعداد لأن تتعامل معنا بندية وتحترم عقولنا وتمنحنا ما نحن بحاجة له من حرية قول وتفكير واعتقاد. وهل لو انتصرت على أعدائها ستخرجنا من سجن، افتراضي وحقيقي، لسجن آخر مماثل له؟ وهل من يملك الادعاء بأن الأمة الإيرانية كانت، خلال الأربعين عاماً الماضية، في أسعد حال، لكي نأمل في الحصول على نفس وضعهم؟

لا شك لدي بأن الحكومة الإسرائيلية شديدة التطرف، والأكثر بطشاً وإجراماً في تاريخ المنطقة، لكنها ليست كذلك مع شعبها، وهذا سر ومكمن قوتها الحقيقية. فغالبية مخابرات دولنا لم تجد يوماً من هو على استعداد من شعبها، إلا ما ندر، للتعاون معها، كجواسيس، في الوقت الذي لا تعرف فيه إسرائيل كيفية التعامل مع كل طلبات وعروض العمل معها، حتى من داخل مخابرات أغلب الأنظمة العربية، كجواسيس ومروجين لأفكارها، ومدافعين عن مواقفها، والسبب يكمن في أن «فاقد الشيء لا يعطيه»، ففقد الكرامة والإنسانية، وسوء النظام التعليمي التلقيني، والمؤدلج، جعلت الكثيرين بيننا أقل إحساساً بالذنب، حال تعاملهم مع أعداء وطنهم.

ستنتهي هذه الحرب، في أي ساعة، وغالباً لن نتعلم منها شيئاً، وسنعود لسابق أسلوب حياتنا، فقد أصبحنا «محصنين تماماً» ضد أي عملية تطوير بشرية جذرية، وهذا ما لم نتعلمه يوماً من «أعدائنا»!!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top