رجل الدين الخفي ( 2 - 2)

ال يكفي االهتمام بالبطون وإشباعها، وال باملساكن
وبنائها، وال باملدارس وافتتاحها، بل يأتي قبلها
االه ت م ام بصحة العقول وإنمائها، فما تتفوه به
مجموعة م ن »محترفي إص دار ال ف ت اوى« وبعض
ال دع اة وال ك ث ي رون م ن ممثلي مختلف ال ت ي ارات
الدينية أمر ال يجب السكوت عنه، فهو كالم يطرب
ال ع دو ل س م اع ه، ويتسبب ف ي زي ادة تخلفنا عما
نحن عليه، ويصرفنا عن االهتمام بكل هذا الغليان،
الذي يجتاح العالم حولنا، والذي سيجرفنا حتمًا
ف ي ط ري ق ه، ون ح ن م ن ش غ ل ون ب أم ور ع ف ا عليها
ال زم ن، وأصبحت ت راث ًا يصلح ملراجعة امل ؤرخ ين،
وت م ح ي ص ال دارس ي ن، ول ي س مل واج ه ة ص ن وف
التحديات في القرن الحادي والعشرين.
ال يقبل عاقل قيام دع اة، من ف وق منابرهم، وأم ام
جماهيرهم، بالتطرق ملواضيع مثيرة للجدل، أو
تتعلق ب أم ور ال وج ود ل ه ا، م ث ل كيفية التعامل
َ مة«، أي املرأة التي يمتلكها
»جنسيًا وماليًا« مع »األ
شخص ما، ويتساءل: هل تجوز معاشرتها من دون
رضاها؟ وماذا لو أراد بيعها، فهو يجوز له ذلك إن
ً؟ وماذا لو اشترط على من اشتراها أال
يجامعها، حتى تحيض حيضة واحدة؟ )ولم يبي نّ كانت حامال
َ مة حيضة واحدة، والحرة أكثر من
لنا ملاذا على األ
ذلك؟(، وغير ذلك من تساؤالت مثيرة للحيرة!
وي ق ول آخ ر، وف ي ج م ع غ ف ي ر، ال اس ت غ رب وج ود
أط ب اء وم ه ن دس ين بينهم، إن ن ا ل و ان ت ص رن ا على
عدونا الكافر، وطبقنا أحكام الدين، فإن كل من في
م دن ه م يصبح حكمًا »س ب اي ا« للجيش املنتصر،
وسيتم توزيع السبايا، من رج ال ونساء وأطفال،
ع ل ى امل ج اه دي ن، ل ي ق وم وا ب ب ي ع م ا ي زي د ع ل ى
حاجتهم ف ي »س وق النخاسة«، وكيف أن ف ي ذلك
رحمة لهم، فهو أفضل م ن قتلهم )!!( كما أن ناتج
البيع يمكن به سد العجز املالي للدولة!
ن ت س اءل، م ع غ ي رن ا: م ا ف ائ دة ط رح م ث ل ه ذه
القضايا الجدلية، والخيالية؟ ما املعلومات املفيدة
التي يمكن الخروج بها من مثل ه ذا اللغو؟ أليس
ّ ف وس ط ح ي ة فكر
م ا ي ق ول ه ه ؤالء ان ع ك اس ل ت خ ل
م ن ي ط رح ه؟ ف ل م اذا ت س م ح ح ك وم ات ن ا ألن ص اف
ً من
الجهلة ه ؤالء بتولي مهام »تعمية« األم ة ب دال
»توعيتها«، بتسهيل تسلقهم املنابر؟
إن ه ؤالء يعتاشون بالفعل على تجهيل أتباعهم،
ب ال ح دي ث ع ن ع وال م عبيد وأس ي اد، وس وق ش راء
وبيع ذكور وإناث!
للعلم، ل م تكن نهاية ال رق، أو منع تملك اإلن س ان
ألخ ي ه، ع م ل ي ة م ف اج ئ ة، ب ل ت دري ج ي ة وت اري خ ي ة
وط وي ل ة، ك ان ت وراءه ا بريطانيا، ب ال رغ م م ن كل
ت اري خ ه ا االس ت ع م اري ال ب ش ع، فسفنها الحربية
ه ي التي اعترضت السفن، التي كانت تنقلهم من
أفريقيا إلى العالم الجديد، أمريكا. كما كانت تاليًا
وراء إل غ اء العبودية كمؤسسة قائمة، ع ام ،1833
وت ب ع ت ه ا دول أوروب ي ة ع دة، ف ت م ت ح ري ر ح وال ي
،800000 معظمهم من منطقة البحر الكاريبي. أما
الدولة العثمانية فقد ألغت ال رق وتجارته بفرمان
ع ام ،1857 لكن العبودية اس ت م رت حتى تأسيس
الجمهورية ف ي .1924 كما استمرت العبودية في
الجزيرة والخليج حتى أوائل الستينيات، من القرن
املاضي.
ّ ض للفناء، وسيأتي ي وم،
إن وج ودن ا بأكمله م ع ر
وهو ليس بالبعيد، نندم فيه على سكوتنا عن هذه
األمور، النشغالنا بأي رجل ندخل الحمام، من دون
ان ندرك أن الفترة، التي جاء منها هذا الكالم، لم تكن
ً أية حمامات!
هناك فيها أصال
يقول الكاتب املصري عادل نعمان: لسنا في حاجة
إلى كل هذه الجهات التي تصدر آالف الفتاوى ليل
نهار، حتى تتفاخر وتتباهى دور اإلفتاء بإصدار
املاليني منها، علمًا بأن األجوبة عليها متوافرة في
ك ل ه ات ف وم وق ع، كما أن االت ك ال فيها على رجل
الدين قتل للمبادرة والفكر. وإن كان ال بد، فعلينا
استبعاد فتاوى الخرافات واملعجزات واألساطير،
وال ج ن، وت ل ك ال ت ي ال ع لاق ة ل ه ا ب ال ع ص ر، وال ت ي
ت خ اص م ال ع ل م وال ع ق ل، وال ف ت اوى ال ت ي يعتمدها
الناس ملخالفة القانون واألعراف والقيم، مثل جواز
ترك الزوج زوجته للمغتصب حال التأكد من إصرار
املغتصب على قتله إن رفض، وان زنى املحارم أهون
من ترك صالة الفجر، وغير ذلك الكثير.
* * *
ّ ل س م و ال رئ ي س، ومعالي
ه ن ا أي ض ًا نتمنى ت دخ
ن ائ ب ه، ل وق ف م ث ل ه ذه ال ف وض ى، وه ذا التخريب
العقلي، شبه الرسمي.

الارشيف

Back to Top