الخيّون ودمُ الحسين

«الرَّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ..هُوَ أَوَّل وَهِيَ المَحَلُّ الثَّاني»
**
في سبتمبر 2024، كتب المؤرخ والكاتب العراقي "رشيد الخيون" مقالا في صحيفة "المثقف" وجدت أن من المفيد العودة له لتسليط الضوء على بعض ما نعانيه من تطرف، هنا وحق هنا، وإصرار كل طرف على التشبث في موقفه، وأن الحق، كل الحق معه:
رسخت الثّنائيَّة بين الإمام الحسين، الذي قُتل سنة 61 هجريَّة، وقاتله يزيد، توفي في 64 هجريَّة، وكأن الدُّنيا، بحاضرها ومستقبلها، خندقان، علويّ وأمويّ، بينما للمقابلة زمنها، حيث بدأت بصفين!
لابن تيمية، توفي 728 هجرية، رأيه في الحُسين: كرم بالشَّهادة في العاشر مِن محرم، وأهان بذلك مَن قتله، أو أعان على قتله، أو رضى بقتله، وله أسوةٌ حسنةٌ بمَن سبقه مِن الشَّهداء، فإنه وأخاه سيدا شباب أهل الجنة!
القصد أن التمييز كان معروفاً، لكنَّ اعتبار الحدث حيّاً في كل آنٍ، حتّى نُحت القول: «كلّ يومٍ عاشوراء وكلّ أرض كربلاء»، ما لا يمكن تمييز المصلحة فيه، والإشارة به إلى الأجيال المتعاقبة، لذا يُفهم أنَّ دمَ الحُسين «كنز لا يفنى»، تُحرك به السِّياسة، أما تفسير ذلك فإنه إشارة إلى الخير والشّر، فمِن متى احتاج تقابلهما إلى كنايةٍ تزكي الكراهيَّة؟!
أمَّا عمَّا بين الأمويين والهاشميين، فهاشم وعبد شمس شقيقان، وعبد المطلب وأميَّة أولاد عمّ خلصاء، وكان الخلاف على الزَّعامة بمكة موجوداً قبل الإسلام، ومع كلِّ ما بينهما، فالتَّداخل الأُسري ظل قائماً، قبل وبعد كربلاء (انظر القمي، والكُنى). كما تزوج الحُسين ليلى ابنة ميمونة بنت أبي سفيان، وأخت معاوية، وهي أم ولده عليّ الأكبر، فقيل: «علي الأكبر هاشمي مِن جهة أبيه، ثقفي أمويّ مِن جهة أمِّه». وكذا قرابة يزيد لعلي الأكبر، وفي المصدر الشّيعي نفسه نجد حظوةَ عليّ بن الحُسين السَّجاد، بعد كربلاء، عند الأمويين، ففي غزوة الحَرة، في عهد يزيد، كانت دار السّجاد حمى للمطلوبين. وقائد الجيش الذي استباح المدينة قال للسجاد: «سلنَّي حوائجك، فلم يسأله في أحدٍ ممَن قُدّمَ إلى السّيف إلا شفعه فيه.
وبالتالي فإن كلُّ قضية ومعركة لها ظرفها، والتّاريخ ميز فيها الحقّ عن الباطل، وأبناء الخندقين تصالحا وتصاهرا، نشأت منهما أُسرٌ متشابكة في هاشميتها وأمويتها، فما المطلوب اليوم، والثَّأر أخذه التَوابون مِن قتلة الحُسين فرداً فرداً، بعد ست سنوات، ثم زاد العباسيون بنبش القبور، وانقرض أحفاد يزيد، وتسنم أحفاد الحُسين السُّلطة، وتحت عناوين شتى، كإسماعليين وزيديين واثني عشريين، لكنهم لم يشيدوا العدل المتباكى عليه، لأنَّه مجرد خيالٍ، لا وجود له إلا في الشّعارات.
فهذا أحد أحفاد الحُسين، زيد بن موسى الكاظم «خرج بالمدينة وأحرق وقتل، وكان يسمى زيد النَّار»، فنهره أخوه "عليّ الرّضا": «يا زيد أغرك قول سفلة أهل الكوفة؟ يقصد الغلاة، الذين فكرهم يُثقف به من على المنابر!
ليس حقَّاً، يمسي دم الحُسين سلماً إلى السُّلطة، ويُتحنى به لحصانتها، ويُحسب خراب البلدان وعسكرتها فداءً له. حتَّى صار بيت أبي عطاء السّنديّ(ت: نحو 180 هجرية)، مثلاً سائراً: «يا ليتَ جَور بني مروان عاد لنَّا/ وأنْ عدلَ بني العبَّاس في النَّارِ»(ابن قُتيبة، الشّعر والشّعراء). عندما تستمر الدّنيا حرباً بين الحُسَين ويزيد، يسقط مِن الحساب «القناعة كنزٌ لا يَفني»، باعتبارها دعوة صوفيَّة كسلى، ليحل محلها «دم الحُسين.. كنزٌ لا يفنى»، فيه الغنائم السَّوائم!.
*
مقال مميز يدعو بالفعل للتفكير، وللاهتمام بوضعنا الحاضر، فما نعيشه من ترد واضح في كل منحى يتطلب النظر فيه، بدلا من اجتراح ثارات الماضي لتنسينا، ربما، إخفاقات الحاضر! لكن يبدو أننا مهما قلنا فسيبقى الجاهل رافضا لهذا المنطق، وسيحاربه حتما المستفيد من الوضع.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top