يوم زالت سطوة «الجماعات المَحميّة»

ترشّح مجموعة من عتاة المتشددين دينياً، كما يظهر من صورهم، للفوز بانتخابات مجلس إدارة «جمعية خيرية»، كبيرة ومعروفة، تحت شعار: «والله نسأل أن يوفقنا لخدمة دينه وعباده»! لم تمر فترة طويلة، حتى تبين أنهم كانوا بالفعل يهدفون لـ«إفادة عباده»، وهم من عباده، فوقعوا في شر أعمالهم، مما دفع وزيرة الشؤون الأستاذة أمثال الحويلة إلى أن تصدر قراراً بحل مجلس إدارة الجمعية «الخيرية جداً»، وتغل يد مجلسها عن التصرف بأموالها، وإحالتهم إلى النيابة، للنظر في التهم الموجهة إليهم!
قمت لسنوات، وعبر مئات المقالات، بالتحذير من مظاهر البعض الدينية، وأسمائهم وألقابهم الرنانة ولحاهم العظيمة، وضرورة عدم التفريق في التعامل معهم عن غيرهم، بما في ذلك الشك في نواياهم، خاصة إن كانوا من «المنهمكين جداً» في العمل الخيري، فلا أحد فوق القانون، في هذا العهد الطيب، وكل عهد قادم. فغياب الرقابة المشددة عليهم، دفعت الكثيرين منهم لمد أيديهم لما تحت تصرفهم من أموال ضخمة «لا صاحب لها»!

لقد كانت أنشطة و«مشاريع الخير» في الخارج، الرافد الأكبر لإثراء «غير مشروع» لعدد كبير من العاملين في العمل الخيري، لسنوات قاربت نصف القرن، لكن بعد الجهود الجبارة، وهي بالفعل كانت غير مسبوقة، وجبارة، للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، مع جهود وزيرة الشؤون، وبعد سرقات تجاوزت مليارات الدولارات، انتهت لجيوب أصحاب الذمم الواسعة، تم وقف هذا النشاط، وتجفيف منابعه، وجارٍ وضع ضوابط مشددة له!

كان دافعنا، عندما قمنا بتأسيس جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، أن نبين لمختلف الجهات المعنية بالعمل الخيري، أنه بالإمكان ممارسة هذا العمل الجميل من دون تحقيق استفادة مادية من ورائه، وأن يكون عملها خيرياً بحتاً غير مسيس ولا منتمٍ لأي تيار، ديني بالذات، فالانتماء يكون غالباً لطلب الحماية، والحماية تتطلب الصرف عليها، والصرف لا يكون إلا من أموال الجمعية، التي يمكن الاستيلاء عليها مباشرة، أو من خلال «الادعاء» بتنفيذ مشاريع خيرية في الخارج!

نكرر رجاءنا لمسؤولي «الشؤون» بألا تثنيهم الأسماء الرنانة واللحى الطويلة، والدشاديش القصيرة، ومظاهر التدين، المبالغ فيها من البعض، من جباه مفروكة، وبسملة وحوقلة مستمرتين، عن التدقيق المستمر في ما يجري في الجمعيات الخيرية، التي يديرها البعض من هؤلاء، وعدم استثناء أي جمعية أو مبرة من الرقابة، حتى لو كانت تموّل بالكامل من أموال أسرة ما أو وقف خاص.

من خلال خبرتي مؤسساً ورئيساً لجمعية خيرية، أعلم جيداً ما يعنيه وجود الملايين تحت تصرفي، أو تصرفنا كمجلس إدارة، ويقيننا بمدى سهولة التلاعب بأموال لا يدعي أحد ملكيتها، بعد أن خرجت من ملكية المتبرعين بها، خاصة متى ما «شانت النوايا»، فالرادع هنا «أخلاقي» بحت، ومنطقي، فقد نذرنا أنفسنا لهذا العمل، من دون مقابل، ولم يجبرنا أحد على القيام به، ويكفينا ما نشعر به من سعادة وراحة عندما ننجح في إيصال ما تبرعنا به وتبرع بأضعافه أصدقاء الجمعية، وما أكثرهم وما أجمل كرمهم، للمرضى والفقراء الأكثر حاجة للمساعدة، وهذه نعمة وخدمة يتجاوز تأثيرهما الإيجابي ونفعهما المجتمعي، من مد اليد لأموال الجمعية وسرقة ما خصص للمرضى والأسر الفقيرة والتعليم.

شكراً لوزير الداخلية، وشكراً لوزيرة الشؤون، وشكراً قبلهما لهذا العهد الذي وضع الكثير من الأمور في نصابها، فأصبح المسؤول يشعر بثقة وهو يطبق القانون، وبالذات على مَن كانوا من «عتاة الإخوان أو السلف»، الذين كانوا يوماً فوق الشبهات، ويحرم الاقتراب منهم!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top