قصة «أبستين» وضابط المخابرات «ميناشي»
يعد جفري أبستين jeffery epstein بطل أكبر فضيحة سياسية وجنسية في التاريخ الحديث، وقصته بحاجة إلى صحافي استقصائي ليكتب فصولها المثيرة، التي تزداد رعباً يوماً عن يوم، فقد شملت أنشطته التجسسية والجنسية دولاً عدة، وعشرات الشخصيات القوية والثرية والشديدة التأثير، من رؤساء دول وقادة، بخلاف مئات الفتيات القاصرات الفائقات الجمال.
ولد مدرس الرياضيات، غير المجاز، اليهودي جيفري في نيويورك عام 1953، وانتحر في زنزانته عام 2019، عن 66 عاماً. على الرغم من بداياته المتواضعة، فإنه حقق، وغالباً بطرق غير مشروعة، ثروة هائلة، ونفوذاً سياسياً دولياً، بدعم من أجهزة مخابرات شرسة، بغية تحقيق مآرب أسياده من الموساد، التي ربما أغدقت عليه مئات ملايين الدولارات، بخلاف ما حققه من مال من أنشطته، غير المشروعة، تمثلت في بيوت بعشرات الملايين ويخوت وجزر، احتوت جميعها على كاميرات سرية تسجل كل ما كان يدور بها من أمور أقرب للخيال، استعملت تالياً لابتزاز من تورط فيها.
أدين الممول أبستين بجرائم جنسية، وفي الاتجار الجنسي بالفتيات القاصرات، واستخدم شبكته بذكاء لتكوين دائرة اجتماعية هائلة الأهمية من حوله، وعلى الرغم من حكم السجن، الذي صدر ضده، عندما كان خارج الولايات المتحدة، فإنه عاد إليها طوعاً، وربما طمعاً في عفو رئاسي، خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، لكنه لم يحصل عليه، وبسبب الكم المرعب من المعلومات والأسرار والفضائح، التي امتلكها ووثقها عن «أصدقائه» وزبائنه، وعمليات الابتزاز التي قام بها، كان لا بد من وضع حد لحياته، إما بدفعه بطريقة ما للانتحار، أو بقيام قوى خفية بتصفيته، فقد كان استمراره حياً يشكل خطراً على أنظمة وشخصيات وأجهزة مخابرات بالغة الخطورة والأهمية. ويذكر أن فتح ملف التحقيق مع أبستين، وكشف قائمة زبائنه، كان على رأس وعود ترامب الانتخابية، لكن من عيّنهم تالياً في وزارة العدل رأوا إبقاء محتويات الملف بعيداً عن وسائل الإعلام.
* * *
يقول ضابط المخابرات الإسرائيلية السابق «آري بن ميناشي ari ben- menashi»، مؤلف كتاب «أرباح الحرب.. داخل شبكة الأسلحة الأمريكية – الإسرائيلية السرية»، والذي كان له دور في إفشاء بعض أسرار إسرائيل النووية، وفضيحة «كونترا»، وغيرهما من أمور، في مقابلة شهيرة مع أفشان راتانسي afshan rattansi: إن الإسرائيليين استغلوا «مواهب» أبستين وحولوه إلى عميل، وأن الإدارة الأمريكية واقعة في المصيدة الإسرائيلية، يصعب عليها الفكاك منها، وهذا ما رأيناه في الموقف الأمريكي في غزة، وفي الهجوم الأمريكي على اليمن وإيران، والموقف في سوريا، وأن أبستين كان ترساً أو برغياً في تلك المصيدة، فمن أين أتى بكل تلك الثروة الهائلة التي حصل عليها، وغير ذلك من الأسئلة الخطيرة والمثيرة التي طرحها في المقابلة، وكيف أننا أمام مؤامرة رهيبة، وتخادن تام بين السلطات الأمريكية وأجهزتها السرية وإسرائيل. وكيف أن كبار ملاك الصحف العالمية بنوا إمبراطوريتهم بأموال إسرائيلية.
كما أورد في المقابلة، في رد غير مباشر على الكتّاب المحليين «المشبوهين»، الذين يكررون الادعاءات بأن الفلسطينيين كانوا السبب «دائماً» وراء إفشال كل خطط السلام، وأن الإسرائيليين كانوا «دائماً» من طالبي السلام، وأن الرئيس بيل كلينتون كاد أن ينجح في تحقيق السلام، عن طريق حل الدولتين، بعد أن أقنع عرفات وإيهود باراك بخطته، لكن أبستين، وبضغط من اليمين الإسرائيلي القوي والموساد، أفشل بطريقته «الخاصة» الخطة.
كما أورد ميناشي في مقابلته، وأيضاً في رد غير مباشر على الكتّاب المشبوهين، المعروفين بأدوارهم المتمثلة في تبييض صفحة إسرائيل، وجعلها جنة المفكرين والكتاب، والذين يدعون أن من يهاجم من هؤلاء حكومته يعود في نهاية اليوم آمناً لبيته، بخطأ هذا الكلام السخيف، وكيف أن المخابرات الإسرائيلية حاولت اغتياله، وأنها لحقت به إلى كندا وفجّرت بيته بالقنابل، إلا أنها فشلت في قتله.
المقابلة رهيبة، وشخصية ميناشي مثيرة للجدل، وتصلح لفيلم وثائقي، وقد تكون موضوع مقال مقبل.
باختصار، محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة دليل آخر على مدى خضوع الإدارة الأمريكية، لسبب ما، لقوى إسرائيل الخفية!
أحمد الصراف