سمير عطا الله.. والطرح المشبوه
يعتبر الزميل سمير عطا الله شيخ كتاب الصحافة العربية وعميدها، وأكثرهم غزارة في الإنتاج، وأعلاهم شهرة وصيتاً. ولد الأستاذ عطا الله في بيروت عام 1941، وعمل في كل من صحيفة النهار، ومجلتي الأسبوع العربي والصياد اللبنانية، وصحيفة الأنباء الكويتية.
برع «الأستاذ» في مزج فنون كتابية عدة في بضعة أسطر، حيث كتب في الفن والسياسة والرحلات والحب والأدب والثقافة، وأصبح منذ عام 1987 يكتب زاوية يومية في «الشرق الأوسط»، إضافة لمقالات أسبوعية في غيرها، وله مجموعة من المؤلفات في التاريخ والرواية والسفر، كما عمل مراسلًا للنهار في أوروبا والأمم المتحدة.
تجمعني به معرفة لا تتعدى بضعة لقاءات، لكني أقرأ كل مقالاته في الشرق الأوسط، ويقول إنه لا يفوّت لي مقالاً، دون أن يقرأه، حتى لو كان يتعلق بشأن محلي، فالسنوات التي قضاها في الكويت مديراً لتحرير إحدى صحفها، جعلت للكويت مكانة عزيزة في قلبه وعقله.
* * *
أقدم أحدهم على كتابة مقال سيئ بحقي، تضمّن «طرحاً» غريباً وإساءة شخصية، من دون سبب أو مبرر، ولا حتى خلاف أو عداوة. ويبدو أن ذلك «الطرح» المسيئ، الذي قرأه الصديق والزميل عطا الله، لم يعجبه، فقام بكتابة ونشر مقال بعنوان «في الديرة» في صحيفة «الشرق الأوسط»، اتسم بكم من الظرف الجميل والذوق والأدب، أظهر بجلاء شخصيته الفريدة وأسلوبه الممتع، الذي صمد أمام كل العواصف لأكثر من ستين عاماً.
* * *
«في «الديرة» «فرط صوتي» حول استفتاء قامت به صحيفة متقدمة، وفاز به كاتب متقدّم في المكانة، منذ ما قبل الاستفتاء بزمن بعيد. يعترض أحد كتّاب الديرة على الاستفتاء طاعناً في النتائج، وفي الأسلوب، وفي نوائب الدهر، وظلم الزمالات.
وفي المبدأ، هذا حق من حقوقه. لكن في الجوهر، هذه إساءة كبرى لاستخدام الحرية. أولاً، بسبب الطعن غير المبرر في صدقية زميلة محترمة، وثانياً، لأن المكانة التي يبلغها كاتب عبر السنين، هي مُلك الملأ والآلاف من القراء، ما علاقتي بالموضوع؟ لا شيء، سوى أنني واحد من آلاف القراء الذين رأوا في الرجل، فائز الاستفتاء، كاتباً موهوباً من الدرجة الممتازة، ولا شيء يغيّر في الحقائق، لا في تصغير الفائز، ولا في تكبير خصومه. تكرّس حجم الكاتب مجموعة من العناصر، بينها مضي الوقت، إذ ليس من السهل بلوغ المكانة بسرعة، ولا أيضاً الحفاظ عليها.
كذلك، ليس من السهل أن تجرّد كاتباً مرموقاً من سمعته. اللجنة المقررة في هذا الامتحان مؤلفة من آلاف القراء، مئات الأيام، مئات المقالات.
المؤسف أن الكاتب المعترض خسر أيضاً معركة الترفع، أو معركة الزمالة، بدل أن تطعن على فوزه، بارِكْ له، أنت وهو في سباق شبه يومي، والناس أدرى بمن يقدّرون، ومن يحبون، ومن يحترمون. الإنسان يمكن أن يصبح جنرالاً بقرار، لكنه لا يستطيع أن يصبح شاعراً بخمسة ألوية من الجيش.
يخيل إليّ أن الأستاذ المعترض وَطِئَ وطأة ناقصة، كما يقول المثل، لأن الزميل المستهدف يتمتع بشعبية واحترام كبيرين، وكان الأحرى أن تقبل نتائج الاستفتاء كما هي، ضناً بكرامة الجريدة التي أجرت الاستفتاء، وسمعتها. بعض المعارك الصحافية جميل أحياناً، وأحياناً مسلٍّ أيضاً. يفقد هذه الميزة عندما تبدو عليه ملامح الغيرة، والشخصانية الواضحة.
في مثل هذه السجالات، يربح عادة «الفرط اصمتي»، على ما أعتقد. يترك الاستفتاءات تمر والناس يفرحون بما يفرح. ودعْك من ضيق الصدور فهو لا يُعلي كاتباً ولا يسفل».
أحمد الصراف