الحقائق الأربع المرّة
الحقيقة الأولى: خلال سنوات قليلة سيبلغ عدد طلبات البيوت المتراكمة لدى مؤسسة الإسكان أكثر من 150 ألف طلب.
الحقيقة الثانية: لا يمكن تلبية هذا العدد المهول بغير الاستعانة بـ«المطوّر العقاري».
الحقيقة الثالثة: لا جهة بإمكانها تنفيذ هذا الطلب في وقت قياسي، وبتكلفة معقولة، وتتوافر لديها الخبرات والمعدات والتسهيلات المالية ودعم دولتها الكبير، بخلاف الشركات الصينية.
الحقيقة الأخيرة: لا ترحّب أطراف عدة بدخول مطورين عقاريين «أجانب» للسوق المحلي، وسبق أن نجح هؤلاء في إفشال خطط من حاول الدخول، وخسرنا من جراء ذلك الكثير، سمعةً ومالاً، كما حدث مع المطوّر الكوري.
* * *
ماذا يعني «المطور العقاري»؟
هو غالباً شركة ضخمة ذات تجربة وقدرات عالية، متخصصة في تطوير الأراضي أو العقارات، وليس البناء فقط، مثل دراسة السوق وجدوى المشروع، وتخطيط المشروع وتأمين التمويل له، والتصميم والبناء، والتسويق والبيع. وقد يشمل دوره شراء الأرض، وقد تسلّم له من حكومة أو جهة استثمارية من مصلحتها زيادة قيمة أرضها، من خلال البناء عليها.
تنقسم المشاريع السكنية، بنظام «المطورة»، إلى ثلاثة رئيسية:
1. مشروع حكومي سكني فقط، مثل أية ضاحية سكنية حالية.
2. مشروع سكني استثماري مختلط، خاص، يحتوي على مكاتب تجارية ومخازن وورش ومصانع وغيرها، يبنى بهدف الاستثمار الطويل الأمد.
3. مشروع سكني واستثماري، تقدّم فيه الدولة الأرض للمطور، ليقوم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ضمن مذكرات تفاهم واضحة، تضعها هي أو أية جهة متخصصة اخرى، وبيع الوحدات السكنية على المواطنين، وتأجير المساحات الباقية، من مخازن وورش ومكاتب، لحسابها، ضمن فترة معينة، وتحقيق نسبة ربح لنفسها.
يكمن الخلاف عادة في النوع الثالث بين الحكومة والمطور، على الأولويات، فالحكومة تريد أكبر عدد من المساكن، والمطور يريد بناء أقل عدد منها، بأقل المواصفات. وكانت النسبة في السابق في بعض المشاريع 70% للبيوت والخدمات العامة، و30% لمصلحة المطور، تغيرت في المشاريع الأخيرة للعكس تماما، وهذا مكمن الخطر في فكرة «المطور العقاري».
* * *
لا شك لديّ في حسن نية الوزير عبداللطيف المشاري، رئيس مؤسسة الرعاية السكنية، ورغبته في تجزئة بناء مشروع الصابرية إلى أربعة أو خمسة أجزاء، وتسليمها لشركات محلية، لكي تقوم البنوك المحلية بتمويل كامل احتياجاتها، وهذا بحد ذاته، بخلاف أمور حيوية كثيرة أخرى، سيضع ضغطاً على المطور لأن يقلل، قدر المستطاع، من عدد البيوت في المشروع، أو تصغير حجمها، أو تقليل مواصفاتها، ويتم تطويرها على مراحل، وفق القدرات المالية المحدودة للشركات المحلية، لتتمكن والمصارف المحلية، التي قامت بتمويلها، بتحقيق أرباح مجزية، وهذا لا خلاف عليه. لكن الهدف الأول والأساسي للاستعانة بالمطور الصيني العملاق، ليس التنفيذ، وليس حتى التوفير، بل «كسب الوقت»، وتحقيق التالي وغيرها:
• الوفاء بالرغبة السامية في التعاون مع الصين في تنفيذ المشاريع الضخمة.
• تنفيذ المشروع في وقت قياسي.
• الحصول على أكبر عدد من البيوت السكنية.
• تنفيذ المشروع بأقل تكلفة ممكنة.
• تجنّب الدخول في دهاليز التمويل، بعد أن عرضت الشركة الصينية رسمياً، وهي المملوكة لحكومة الصين، ضخ ما يعادل 7 مليارات دينار في المشروع.
• من خلال تكليف الصينيين بهذا المشروع، نضمن عدم عرقلة مشروع المدن العمالية.
* * *
قد لا يكون بعض ما ذكرته أعلاه صحيحاً بالضرورة، لكن عامل «الوقت» هو الأكثر أهمية من كل الفوائد الأخرى، التي «يمكن» أن نجنيها، من خلال ترسية المشروع على مطورين محليين صغار، بدلاً من مطور واحد عملاق.
كما يتطلب الأمر حالياً وقف توقيع عقد الشركة الحالية للاستشارات، «غير المنطقي»، فهدفه تكليفهم وضع مخططات تفصيلية للمشروع، قبل الاتفاق على «ماهيته»، وهو أمر غير واضح، حتى الآن.
أحمد الصراف