أحلام هيفاء السقاف
«شبعنا اضطهادا وخوفا وذلا، نقول لأعرابكم: ألف كلا، فلسنا متاعا لكم قانعات، ولسنا لأمثالكم ساجدات. عصور الجواري طوتها السنون، فهل نحن في شرعكم جاريات؟ إلى الخلف عودوا كما تشتهون، فلسنا لأغلالكم عائدات!»
(من مقال لـ«هيفاء السقاف»)
***
وقفت الدراجة النارية، التي كانت تستقل رجلين ملتحيين، في احد شوارع «كابول» بمحاذاة فتاتين في عمر الورد، وكان الوقت صباحا وشديد البرودة، وسألهما احد الرجلين عن وجهتهما، فما ان اجابتا بأنهما في طريقهما الى المدرسة، حتى اخرج احدهما من جيبه لعبة على شكل مسدس بلاستيكي وصاح «الله أكبر» ورشّ الفتاتين بزخات من سائل شفاف من المسدس، ومع تعالي صراخ الفتاتين، ولّيا هاربين، فقد كان السائل الشفاف «ماء نار» تكوي الجلد!
ترقد المسكينتان (شفيقة وسكينة) الآن في احد مستشفيات كابول، حيث تتلقيان علاجا على يد اطباء اميركيين، وذكر مصدر في المستشفى بأن الشقيقتين سيسمح لهما بالخروج خلال اسابيع قليلة، بعد اجراء جراحات تجميل لهما، وان كبراهما فقدت بصرها الى الابد!
تكرر وقوع مثل هذه الجريمة في شوارع مقاطعات افغانية عدة، وبالذات في المناطق التي تقع تحت سيطرة عصابات «طالبان». كما جرى تفجير مبان عدة لمدارس مخصصة للبنات، ومنع، تحت التهديد بالقتل، اصحاب مدارس اخرى من فتح ابوابها، وكل ذلك بغية وقف الحركة النشطة لتعليم الاناث التي تسارعت مع دحر قوات طالبان التي كان منع تعليم البنات اولى مهماتها فور سيطرتها على افغانستان قبل سنوات عشر تقريبا، بحجة ان تعليمهن مخالف للشرع الاسلامي. ومن الواضح ان بقاء البنات من غير تعليم يسهل عملية سيطرة الرجل «المتدين» عليهن مستقبلا، ومعاملتهن كالجواري. واكاد اجزم ان غالبية الكتّاب، سواء في «القبس» او غيرها، من المنتمين للتيارات الاسلامية، لم يعيروا اخبار هذه الاعتداءات في افغانستان وبعض مقاطعات باكستان المحاذية لها اية اهمية، هذا اذا لم يكن البعض منهم يؤيدها علنا او سرا. ومن المستبعد ان نقرأ نقدا لمثل هذه الجرائم في اي من الزوايا والتكيات الصحفية لهؤلاء، خصوصا المغالين منهم في تدينهم، فنقد حركة طالبان، بالرغم من كل جرائمها في حق شعب افغانستان والبشرية، امر مستبعد بعرف هؤلاء، وهنا يكمن الفرق بين روحية المتدين ونظرته إلى الآخرين، ونظرة المثقف الملتزم الدفاع عن القضايا الانسانية، ولا ندّعي شرف الانتماء إليه بالضرورة!
نعود إلى مقدمة المقال وكلمات السيدة هيفاء السقاف، التي تقطر حزنا، بالرغم من لهجة التحدي التي تغلف كل حرف فيها، ونتمنى حقا لو انها تمثل ولو جزءا من الواقع المرير الذي تعيشه المرأة المسلمة في الخليج وباكستان وافغانستان وايران.
وفي مقابلة اجرتها اذاعة الـ«بي بي سي» مع الحائزة جائزة نوبل للسلام السيدة شيرين عبادي، الايرانية الجنسية، بمناسبة مرور 30 عاما على «الثورة الاسلامية» في وطنها، ذكرت أن قادة الثورة قاموا في الاشهر الخمسة التي تلت نجاحها بإلغاء كل المكتسبات التي حصلت عليها المرأة اثناء حكم الشاه، حتى قبل صدور دستور البلاد وانتخاب رئيس للجمهورية الوليدة حديثا، وانها شخصيا عُزلت من منصب القضاء الذي كانت تتولاه في ذلك الوقت، على الرغم من تأييدها للثورة، بحجة انها امرأة، ولا يجوز، بعرف آيات الله، لبنات جنسها تولي منصب القضاء (!!) وقالت إن جميع القوانين المساندة للمرأة، كالحضانة والنفقة وتقييد حق الزواج بأكثر من واحدة وغيرها الكثير، أُلغيت بأوامر شفهية من «الولي الفقيه»، من دون سند قانوني، او حتى انساني، ولا يزال الحظر ساريا!
كنت اتمنى يا عزيزتي الرائعة هيفاء ان اشاركك احلامك، ولكن الواقع المؤلم والمر والمأساوي الذي تعيشه المرأة في منطقتنا لا يسمح لي حتى بمجرد الحلم... فاعذريني!