«الهاكرز».. والقرضاوي
ورد في وسائل الإعلام المهتمة بالإنترنت أن صراعا داميا نشب بين متشددي الشيعة وغلاة السنة في الآونة الأخيرة كانت ساحته الفضاء الإلكتروني، حيث قامت مجموعة من «الهاكرز الشيعة» بشن هجمات على مواقع إلكترونية تخص شيوخ ورجال دين سنة، وقاموا بتدميرها. وقد فوجئ زائرو تلك المواقع بوجود ما يدل على هوية «الهاكرز» الذي قام بتدمير تلك المواقع وشعاره المعبر عن هويته وما يشبه العلم الإيراني يغطي وجه شخص وآية قرآنية تقول: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»، في إشارة إلى هجوم سابق تعرضت له بعض المواقع الشيعية، ومنها موقع المرجع الشيعي علي السيستاني، إضافة الى ثلاثمائة موقع شيعي اخرى للتسخيري والصفار وغيرهما، حيث تم تخريبها وإتلاف كامل محتوياتها التي لا تقدر، عند كل طرف بثمن، حيث أنها تختصر جهود سنوات طويلة من العمل الكتابي والفني المضني. كما حرص الهاكرز المفترض أنه شيعي، على وضع خلفية موسيقية للمواقع التي تم تدميرها مع صورة لعلم إسرائيلي ممزق وخارطة لدول الخليج، بعد وصفه بالفارسي!!
وكان الموقع الإلكتروني العائد لرجل الدين السعودي المتشدد عايض القرني أحد تلك المواقع التي تم تدميرها بكاملها. كما لم يسلم موقع «البرهان» لفالح الصغير وموقع «الصوفية» وموقع «عبدالعزيز بن باز» من التدمير. وورد في الصحف السعودية أن عدد المواقع التي تعرضت للهجوم ربما بلغ 900 موقع.
ويبدو أن أوار هذه الحرب التي تفتقد الى الاخلاق لدى الأطراف المخربة، التي لا أحد يعرف حتى الآن هويتها الحقيقية، التي ربما لا تؤمن أصلا بحرية الرأي، ستستمر لبعض الوقت، بسبب ضيق صدر كل طرف بأدبيات ومعتقدات الطرف الآخر، على الرغم من إدعائهم بأن دينا ورسالة أخلاقية واحدة يجمعانهم(!!) كما بينت هذه الاعتداءات الخطيرة مدى عمق الخلافات الدينية والعرقية بين الجهات الممثلة لطرفي الصراع، التي لم تفلح أي من مؤتمرات التقارب الوهمية في القضاء عليها أو تقريب أي طرف لنفسية الطرف الآخر، لإحساس كل منهم وثقته بأنه على حق وما على الآخر غير التنازل والاعتراف له بصحة موقفه ومعتقده، مهما كانت تصرفاته الدينية غير منطقية في بعض أو كل جوانبها!!
ويبدو أن لتصريحات يوسف القرضاوي، الداعية القطري المصري الإخونجي، التي أعلن فيها الحرب على التقارب بين المذهبين السني والشيعي، بسبب سعي القوى السياسية الشيعية للتمدد للمجتمعات السنية، علاقة بنشاط هؤلاء الهاكرز. والحقيقة أن هذه الأفعال التخريبية وأقوال القرضاوي في أنشطة الشيعة بينت بوضوح أن غالبية أتباع كل طرف لا تؤمن على الإطلاق بصحة عقيدة الطرف الآخر. وأن الفوارق الفقهية بين الطرفين أعمق بكثير مما يحاول البعض تصويره على أنها اختلافات فرعية، فالاختلافات الفرعية لا تؤدي عادة الى مثل هذا التكفير الذي نقرأه في أدبيات الطرفين، وما نسمعه في القنوات الفضائية لكل طرف بحق الطرف الآخر، وأن الشائع والمتفق عليه بين «كبار وخيرة» كل طرف أن الآخر ليس على حق، وأن هناك فئة واحدة ستدخل الجنة وهي التي على الحق، وهذا ما قاله يوسف القرضاوي في كلمته الأخيرة المثيرة للجدل وما كرره في رده على من تهجم عليه. فإذا كان الشيعة فرقة ضالة بنظر السنة، وإذا كان السنة فرقة ضالة بنظر الشيعة فمن هي إذاً الفرقة الناجية؟ وألم يحن الوقت لتتقدم العلمانية وتطرح نفسها كحل وحيد ونهائي لكل معاناتنا النفسية والأخلاقية والدينية؟!