يوم فقدنا إنسانيتنا
أقدم ثلاثة لصوص على سرقة محل تجاري في منطقة منكوبة، تم ابلاغ الجهات الأمنية التي تحركت وداهمت اللصوص وقبضت على أحدهم وفر الآخران، قام ضابطان وعريف بملاحقة اللصين اللذين لجآ إلى شقة في عمارة سكنية، وعند محاولة القبض عليهما خرج آخرون من الشقة واعتدوا على الضابطين، ونجحوا في خطف العريف إلى داخلها، وهنا حاول ضابطا المباحث اقتحام الشقة، ولكنهما واجها مقاومة «شرسة»، فطلبا اسنادا فحضر، وتمكنوا بعد جهد من دخول الشقة وتحرير العريف الذي تبين انه أشبع ضربا وركلاً، وكان في حال يرثى لها، وقد رفضت الشرطة قبلها التفاوض مع الخاطفين واطلاق سراح زميلهم مقابل اطلاق سراح العريف، وانتهت «المعركة» بالقبض على 7 مجرمين ونجاح 20 في الفرار، وقيل ان جميعهم كانوا من «البدون»!!
كالعادة، أبدت القيادات الأمنية «انزعاجها» من الحادث، وعزت نجاح 20من المعتدين في الهروب إلى كثرة عدد المعتدين وقلة عدد أفراد الشرطة!!
هذه حادثة ليست غريبة، فقد وقع ما يشابهها الكثير، وسنسمع الاكثر في القريب من الأيام مع اشتداد معاناة «البدون» وذويهم، فسوء أوضاعهم المأساوية لا تختلف كثيرا عن سوء أوضاع العمالة البائسة في الشوارع والمستشفيات ومختلف الدوائر الحكومية، الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر، فدفعهم الضغط إلى الانفجار وفضح الوضع البائس الذي يعيشون فيه.
لقد حذرت أكثر من جهة لها تقديرها واحترامها من قنبلة «البدون» وانها على وشك الانفجار في وجه الجميع، وان تأخر انفجارها لبعض الوقت.
فالانفجارات والاحداث الصغيرة التي تقع بين فترة وأخرى ما هي إلا مقدمات وفتح شهية لأحداث أكبر وأخطر، ولكن لا أحد يود مناقشة الموضوع بجدية، نعود إلى قضية الاعتداء تلك، ونأسف لهذه السلبية في التعامل مع مثل هذه الأحداث، ومحاولة معالجة كل حالة على حدة.
ربما ليس مطلوبا من الجهات الأمنية القيام بأكثر مما تقوم به حالياً في سبيل حفظ الأمن، ولكن قضية هؤلاء أبعد بكثير من حدود مسؤولياتهم، وأعمق بكثير من قدراتهم!! فالقضية أخلاقية وسياسية واجتماعية، وبالتالي تتطلب قراراً على أعلى مستوى، فلا يجوز ابقاء الوضع على ما هو عليه، فقيام مجموعة من الشباب من غير محددي الهوية الذين لا سند لهم باقتحام مجمع تجاري وسرقته، ومن ثم التصدي لرجال الأمن ومقاومتهم واللجوء إلى شقة في عمارة والاعتداء على ضابطي مباحث وحجز عريف شرطة واشباعه ضربا وركلا ومن ثم التجرؤ وطلب التفاوض مع قوة الداخلية على اطلاق سراح زميلهم اللص المحتجز مقابل الافراج عن الرهينة العريف، والاستمرار في المقاومة والتصدي ونجاح عشرين منهم في الفرار من الحصار، كلها امور تدل على ان المسألة خطيرة وخطيرة جدا، وما قام به هؤلاء يدل على ان الكيل قد طفح بهم، واوصلهم إلى تلك الشراسة في المقاومة التي تعني بلوغ مرحلة اليأس، بعد ان صعب الحصول على لقمة العيش بالطرق المعتادة.
ومن المهم هنا الاشارة إلى الدور السلبي لجمعيات تجميع الاموال وتمويل الارهاب والصرف على توافه الامور خارج الكويت، في الوقت الذي توجد فيه بيننا عشرات الآلاف من الانفس البشرية المحرومة من الماء النظيف والطعام الكافي والطبابة والتعليم، وفوق كل هذا، لا تعرف شيئا عن مستقبلها وتفتك بها المخدرات وينهشها الاجرام وينتشر بينها خطف الصبية والفتيات، ونحن لا نفعل شيئا غير ابداء تكدرنا وانزعاجنا من وقوع هذه الحوادث.