التبشير بالمسيحية في أفريقيا
لاقت حركة التبشير في افريقيا في الاعوام الثلاثمائة الاخيرة نجاحا منقطع النظير فاق نجاح اي حركة دعوية اخرى بمراحل، وعلى خلاف ما هو شائع، فقد كان للحكم الاستعماري الاوروبي المسيحي لتلك الدول دور ضئيل في نشر المسيحية مقارنة بدور الارساليات الكنسية ورجالها الذين ضحوا بالكثير في سبيل نشر عقيدتهم في مجاهل افريقيا ومستنقعات آسيا وصحاريها، نقول ذلك مع الاقرار بأن قوى الاستعمار في تلك الدول لم تدخر جهدا في توفير الحماية لهؤلاء المبشرين كونهم مواطنين قبل اي شيء آخر.
ولو قارنا الدور الدعوي الذي تقوم به جمعياتنا الخيرية، والمنتمية في غالبيتها للكويت والسعودية، في دول افريقيا وآسيا بدور رجال الدين المسيحيين لوجدنا فارقا كبيرا في النتائج والمنجزات يقارب الفارق في المستوى العلمي والاخلاقي بين دولنا وبين شعوب اوروبا، خاصة بعد كل ذلك المستوى المتخلف والمتدني الذي ظهرت عليه جمعياتنا الاصولية الوصولية، بعد ان نخر الفساد الاداري والمادي اجساد الكثير منها.
طوال اكثر من ربع قرن تركز نشاط جمعياتنا في قارتي آسيا وافريقيا، ومعلوماتنا هنا مستقاة من واقع ما ورد في الصحف على مدى العقود الماضية، انصب على بناء الآبار والمساجد وانشاء دور تحفيظ القرآن، ولا شيء اكثر من ذلك، سوى الصرف على منح دراسية لتلقي المزيد من الدروس الدينية في بلادنا، طبقا للمذهب الديني السائد في دولة الصرف!!
وقد ورد في صحيفة المدينة السعودية، وعلى لسان مواطن بوروندي يعمل في اليونيسكو، و«بوروندي» دولة صغيرة لا يتجاوز عدد المسلمين فيها 5% من سكانها، وهم الاكثر فقرا فيها واقلهم تعليما، ورد التالي:
«لقد زرت السعودية في الثمانينات قبل ان التحق باليونيسكو، حيث كنت ممثلا عن الاقلية المسلمة لبلدي لدى رابطة العالم الاسلامي وهيئة الاغاثة الاسلامية، وقلت لهم ان المؤسسات الخيرية بنت لنا مسجدين وألحقت عددا من طلبتنا في جامعة الامام محمد لإعدادهم كأساتذة لتحفيظ القرآن، ولكن مشكلتنا في بوروندي لا تتمثل في نقص المساجد ولا في عدد حفظة القرآن، بل في عدم وجود مهندسين او اطباء بيننا، فنحن غير قادرين على تعليم ابنائنا في الكليات التقنية، كما ان مدارس التحفيظ التي انشأتها دول الخليج لا تعلم اللغة الانكليزية وهي اساس دخول الجامعات العلمية، وقال انه شرح الامر لمسؤولي «الجمعيات الخيرية» ولكن لم يعبأ احد بوجهة نظرنا!
كاتب التحقيق في «المدينة» السعودية لم يعرف، او ربما لم يود التطرق إلى حقيقة عدم وجود نص واضح «يؤجر» على فتح الجامعات او انشاء المستوصفات او يبارك تعليم اللغة الانكليزية، لغة الكفار، ولو من اجل درء خطرهم، كما انه لم يطلع على تجربتي الشخصية التي سبق ان كتبت عنها قبل فترة، والتي تعلقت بطلبي من شخصية شيعية «تمون» على ملايين الدنانير المجمعة من «الخمس» لصرف جزء بسيط منها على انشاء مدرسة تختص بتعليم بطيئي التعلم، وكيف اشاح ذلك «المحسن» بوجهه عني رافضا الطلب، مما دعاني لمبادرته قائلا انه يرفض الفكرة فقط لأنها غير مدرجة ضمن اعمال «الخير» التي ينال المسلم الاجر والثواب الاخروي عليها، فلم يرد بكلمة واحدة!
هذه حالنا، وهكذا سنبقى ما شاءت الاقدار، ويبدو انها تشاء كثيرا وجدا.