الصادق العظم والعميد النشمي
أدلى المفكر السوري صادق العظم بحوار للراية القطرية وردت فيه أفكار جديرة بالنقاش. قبل التطرق للبعض منه،ا يجب أن نذكر بأن السيد العظم قد كتب قبل 40 عاما كتاب «نقد الفكر الديني»، والذي كان له دور كبير في حينها في تشكيل وعينا الحاضر.
ويعتبر العظم من الفلاسفة العرب القلة وهو مخضرم ومثير للجدل في كل ما يقول ويكتب. ودفاعه عن «سلمان رشدي» وقبله عن محنة إبليس، مرورا بنقد مختلف الغيبيات من ظهور العذراء على الكنائس وتفاسير الأحلام، والسخرية من أزماتنا السياسية وحروبنا الخاسرة ووصولاً لأوضاعنا الخربة الحالية وما نتج عنها من وقوعنا رهينة في أيدي رجال الدين واحضانهم، خصوصا المتطرفين منهم بالذات، الأمر الذي جر الأمة بأكملها للجوء لخيار «التمذهب» والتقوقع المناطقي، وغير ذلك الكثير، كانت جميعها محل ردود من الكثيرين الذين اختلفوا معه، ولكن على الرغم من كل ذلك لم يملكوا غير نقد آرائه باحترام يليق بمكانته!.
ولد صادق جلال العظم في دمشق قبل 74 عاما، ودرس الفلسفة في الجامعة الأميركية ببيروت، وعاد إليها أستاذاً عام 1963 وأكمل تعليمه في جامعة «يال» الأميركية. وتقلد مختلف المناصب العلمية في أميركا وألمانيا ودمشق وبيروت وعمان.
يقول السيد العظم في مقابلته: «إن في الفترة بين عامي 1969 و 1970 كانت هناك محاولة من قبل المفكرين الإسلاميين للتعامل مع قضايا ومسائل العلم الحديث. وكانوا يميلون إلى الاحتكام للنقاش والجدل إلى العقل والواقع وإلى مجرى الأحداث. أما الآن فأنا أجد أن الفكر الديني الناشئ حول الإسلام في حالة أعمق من البؤس، بمعني أننا الآن وصلنا إلى قضايا مثل فتوى إرضاع الكبير، علماً بأنها ليست صادرة عن شيخ عادي، وإنما عن رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر أو مرشد الأزهر. في الفترة التي كتبت فيها كتاب نقد الفكر الديني، وناقشت الفكرة كان يصعب أن نجد مثل هذه الفتاوى. من هنا يمكن القول ان هناك انحداراً كبيراًَ وابتعاداً عن الاحتكام إلى أي شيء عقلاني.
أشبه ذلك مثلاً بما يصدر أيضاً عن أوساط الأزهر من قبيل التبرك بالبول مثلاً، وشيوع هذا الجانب أو المنحى الخرافي في الفضاء الإسلامي. أعتقد أن هذا يمثل انحداراً عن البؤس الذي تحدثت عنه بين عامي 1969 و 1970 عندما تكلمت في تلك الفترة عن بؤس الفكر الديني.
ويستطرد السيد العظم في القول «.. ناقشت بعض الإسلاميين ورجال الدين مثل نديم الجسر مفتي طرابلس، وموسى الصدر وغيرهما.. في تلك الفترة لاحظت أنهم يريدون أن يتعاملوا مع العلم الحديث والثورة العلمية والتطبيقات العلمية، لكنهم كانوا للأسف يجهلون أي شيء عن معنى العلم، وما هي مناهج البحث العلمي؟. وربما لم تكن لديهم، منذ أن تركوا «الابتدائية»، فكرة عن الفيزياء أو الكيمياء أو التشريح إلا من خلال ما يقرأونه في الصحف. كانوا يريدون أن يتصدوا للأثر الاجتماعي الذي تتركه التطورات العلمية أو الفتوح التكنولوجية، وهم عملياً في حالة جهل شبه كامل بها».
إذاً، أنا أجد أن هذا قد تعمق الآن. هناك جهل أكبر، وهناك مواقف، خاصة في الإسلام الأصولي، ترفض العلم الحديث رفضاً قاطعاً، ترفض الغرب وكل ما أنتج. وإذا دفعت تفكيرهم إلى النتيجة المنطقية يصبحون مثل طالبان في هذه المسألة. هم يمسكون بقضايا في منتهى السطحية.
قرأت بعض فتاوى الإمام الخميني، والتي يطرح في احداها صعود المسلم في كبسولة الفضاء ويناقش كيف سيقيم الصلاة ويتعرف على اتجاه القبلة في الفضاء الخارجي؟. وفي الفضاء طبعاً لا يوجد شمال ولا جنوب، والكبسولة تدور بسرعة هائلة في مدار معين في الفضاء، أيضاً المسلم عندما صعد إلى الفضاء صعد بكبسولة روسية أو أميركية، لأن الكبسولة العربية أو الإسلامية غير موجودة أصلاً. المشكلة أن الخميني لم يرَ شيئاً من إنجازات وفتوحات وعلوم ومعارف وتكنولوجيا الفضاء، كل ما خطر في باله كيف يركع المسلم ويصلي، وإذا ما جلس لفترة طويلة كيف يصوم؟!. بعد هذا النقاش توصل إلى نتيجة أجاز فيها للمسلم بأن يصلي في الاتجاهات الأربعة. مع العلم أنه لا توجد اتجاهات اربعة. الاتجاهات هي مسألة تعارفنا عليها، شمال وجنوب شرق وغرب. مع ذلك هو اعتبر مع الأسف أننا إذا خرجنا من على سطح الكرة الأرضية فما زالت هناك اتجاهات.
هم يتصدون لقضايا مثل أطفال الأنابيب أو ما يحدث مثلاً على مستوى الحمض النووي dna والاستنساخ.. وغيرها من الفتوح والاكتشافات العلمية. ليس لديهم أية معرفة بطبيعة هذه العلوم، وكيف توصل إليها العلماء؟ وما هي التجارب التي سبقتها؟ لا يوجد لديهم ثقافة علمية، وهم راديكاليون في ذلك.
ويقول السيد العظم ان ما ورد في كتاب أحد كبار رجال الدين السنة في عام 1985 عن رفض كلي لفكرة كروية الأرض، ليس بالكارثة، ولكن الكارثة الكبرى أن أحداً لم يتجرأ لا من علماء الدين ولا من مؤسسات العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، من الأزهر والزيتونة إلى القرضاوي والترابي وكفتارو وكليات الشريعة.. لا أحد تجرأ على القول إن هذا غير صحيح، والكارثة الأكبر أننا لا نستطيع مجرد الرد.
وقال ان المؤسسات الدينية الرسمية، وعلى رأسها الأزهر وكليات الشريعة ودور الإفتاء، وغيرها.. هي اليوم في حالة عقم فكري كامل. لا يخرج منها شيء سوى بضاعة من قبيل إرضاع الكبير، وحديث الذبابة والتبرك بالبول وجلد الصحافيين.. الساحة متروكة تقريباً للفكر الأصولي الجهادي، وهو الوحيد الذي يطرح أفكاراً جديرة بأن تناقش وترفض، وذلك بسبب عقم المؤسسات الرسمية الأساسية التي تعتبر قدوة، ليس فيها سوى التكرار والاجترار والتحجر والعودة إلى الماضي وحماية المصالح والإبقاء علىالوضع القائم والخضوع للسلطات الحاكمة. عندما تكون سياسة الدولة اشتراكية يصبح مفتي الإسلام اشتراكياً، وعندما يكون الحكام في حالة حرب يصبحون مع الحرب، وإذا جنحوا للسلم يسيرون وراءهم.. هذا جزء من عقم هذه المؤسسات، وهو فراغ واضح في الفكر الديني، يملؤه أحفاد وأتباع سيد قطب مثلاً، وهذا النوع من الإسلام الأصولي العنيف. النهاية.
المقابلة أطول من ذلك بكثير ووردت فيها أقوال عدة جديرة بالذكر في مقالات أخرى والنص متوافر لدينا لمن يود الاطلاع عليه.
ملاحظة: اصدر رجل الدين السيد عجيل النشمي فتوى قال فيها ان تولي المرأة لمنصب الوزير ليس من الولاية العامة. ثم عاد بعد 24 ساعة وخالف رأيه السابق!! للعلم، السيد النشمي عميد سابق لكلية الشريعة ومدرس وأستاذ دين!