أمراض المجتمع الكويتي (2/2)
من الواضح حتى لأقل الناس دقة في الملاحظة أن المظاهر والظواهر الدينية في الوطنين العربي والإسلامي قد زادت عما كانت عليه قبل عقود بسيطة، وبشكل واضح وصارخ.
وعلى الرغم من سعادة الكثير من قادة الرأي والسياسيين وولاة الأمر بهذه الزيادة الهائلة في المظاهر الدينية، مع اقتناعها التام بأن جزءا كبيرا منها غير حقيقي، فإنها تتفق، جميعها تقريبا، مع مقولة البعض، جهلة ومتعلمين، أن بعض التدين مع.... الكذب، خير من لا تدين .... مع الصدق!! ونترك الحكم على صحة هذا التصرف أو الاعتقاد، لاختصاصي الأمراض النفسية!!
ولكن، لو عدنا إلى واقع المجتمعات العربية، والكويت بالذات كمثال، ولما يجري في شوارعها ومحاكمها وبيوتها ومخافرها للاحظنا أن هناك زيادة هائلة في التصرفات البشرية السلبية التي لا تتفق مع كل السعادة والرضا اللذين يبديهما الكثيرون لكل مظاهر التدين والخشوع التي تحيط بنا.
فمعدل اقتراف الجنح والجنايات، وخاصة الجرائم الخطيرة، بجميع أشكالها، في ازدياد مستمر، ومؤشر تعاطي المخدرات في ارتفاع ونسبة الطلاق لعام 2007 بلغت 53 % من زيجات العام نفسه، وحوادث الدهس قبل الإفطار وصلت الى القمة!! حدثت كل هذه الزيادات في السنوات الثلاثين الأخيرة على الرغم من الزيادات المضادة لها في الأنشطة الدينية التي سادت المجتمع في الفترة نفسها، حيث رأينا كيف انتشرت أفرع ولجان الجمعيات الدينية في كل مكان، وكيف زاد نفوذها وما نتج عن ذلك من زيادة الجرعة الدينية إلى مستويات عالية في جميع وسائل الإعلام، حتى الخاصة منها. كما زادت الصفحات الدينية في جميع الصحف، وزاد الصرف بعشرات الملايين على إعلانات الطريق التي تدعو الشباب إلى التمسك بالدين وقيمه، كما صاحب كل ذلك زيادة في عدد مرتدي ومرتديات الديني من اللباس والحجاب والنقاب!! كما منعت حفلات الرقص في المدارس، ومنعت الحفلات الغنائية ومنع قانون آخر تجنيس غير المسلم، وأقفلت صالات البلياردو وزيدت دروس الدين في مدارس الحكومة وفرض ما يماثلها على المدارس الأميركية والإنكليزية وغيرها، ونبتت في كل حي مدارس 'تحفيظ القرآن'، وخصصت جوائز ضخمة للفائزين بها، كما زاد عدد الدعاة ورجال الدين المتفرغين لهداية المسلمين من جهة وأسلمة غيرهم من جهة أخرى. والغريب بعد كل ذلك أن نلاحظ أن الزيادة في ارتكاب الجنح والجرائم كانت بنسبة أعلى بكثير في المناطق التي تتمتع الجمعيات والحركات الدينية فيها بتواجد وانتشار كبيرين، وبنفوذ طاغ!!.
لقد قيل:
'إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن
همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا'!
والأخلاق لا يكون مصدرها التعاليم الدينية فحسب، على الرغم من أهميتها، بل تتشكل من عدة عوامل، ولو كان التدين أهمها، لكانت شعوب أوروبا الغربية، قلما يرتادون دور العبادة، أقل الشعوب أخلاقا، ولكن الواقع ليس كذلك تماما، إلا إذا كان قياس مستوى أخلاق أي مجتمع يتطلب حصره في نطاق جسدي محدد.