المواطن المجرم (2/2)
فكرت كثيرا في ما علي القيام به إزاء ذلك الوضع المحزن والمثير للغثيان في الوقت نفسه! فإعلام السلطات بمخالفات هذا المقيم وما ارتكبه ذلك المواطن 'الكفيل' من جرم، كما سبق أن قمت به في حالات سابقة، سوف لن يتمخض عنه خير كثير، فأقصى ما سيحدث هو 'تسفير' السائق المسكين وإعادته لوطنه، بعد الصرف عليه لشهر أو أكثر في سجون الإبعاد! أما المواطن الكويتي، والمجرم الحقيقي، فلن يقترب منه أحد طالما كان هناك نائب يقف خلفه وعلى استعداد لرمي عقاله على الأرض وترجي صاحب القرار ب'طلبتك'!
لسبب ما، قررت مخالفة كل اعتقاداتي هذه المرة، وعدم الإبلاغ عن مخالفات وحالات تزوير هذا المقيم، على أن يستمر في العمل معنا بعد أن طلبت من 'كفيله' تحويل إقامته علينا. وأخذت تعهدا من السائق بالامتناع كليا عن قيادة أي مركبة لسنتين على الأقل، وأخذت إجازة القيادة منه، واستعنت به كموظف إداري في الشركة بعد أن تبين لي أن لغته الإنكليزية والمستوى الدراسي الذي حصل عليه، وهو بلا شك أعلى من مستوى وخلق من احضره للكويت وقبض الرشوة منه، يساعدانه على التعلم سريعا!
أبلى هذا الموظف مع الأيام بلاء حسنا في وظيفته الجديدة وأصبح راتبه يزيد عما كان يمكن أن يحصل عليه من عمله سائقا لمركبة شحن.. وفجأة، وكما يحدث في أي فيلم هندي حزين، تغيب عن الحضور إلى المكتب في أحد الأيام. وعند سؤاله عن السبب قال انه يشكو من آلام في المعدة.
تطور الأمر بعدها بأيام وأصبح يتأخر في الحضور ويشكو من آلام مختلفة، وأصبحت تنتابه آلام غريبة ويرفض دائما أخذه إلى المستوصف أو رؤية طبيب وكان يطالب رئيسه المباشر بخصم أيام غيابه من رصيد إجازته بدلا من اعتبارها 'مرضية'. وفجأة تغيب لثلاثة أيام متتالية دون سبب أو اتصال بالشركة، وعندما ذهب بعض زملائه للسؤال عنه حيث يقطن، تبين أنه قد فارق الحياة في اليوم نفسه!
شعرت بحزن عليه فقد كان، بالرغم من سعادته بعمله الجديد، صاحب وجه بائس معذب. وكان وضعه يدعو للشفقة حقا وكنت صادقا في رغبتي في مساعدته ودفعه للعمل بجد حيث كان هادئا وأمينا في عمله!
المفاجأة كانت في تقرير الوفاة حيث تبين ان الوفاة نتجت عن فشل الكبد في القيام بوظائفه، وعند السؤال أكثر تبين أنه كان مصابا بالوباء الكبدي من فئة c وهو مرض معد ومميت، وأنه دفع مبلغ 300 دينار لمسؤول 'كويتي' طبيب في إدارة فحص العمالة الوافدة مقابل 'تزوير' شهادته الصحية!
هل هذه هي الكويت التي غيرها ما نبي؟
ملاحظة: إن المثل الذي ذكرته أعلاه المتعلق برمي العقال على الأرض لا يتعلق طبعا بفئة معينة ولكنه عام، ولولا تراخي المسؤولين ورغبة المتنفذين في تحقيق الغريب من مطالب 'الرعية' ومشاركة الكثيرين منهم في عمليات تزوير الإقامات وشهادات الخلو من الأمراض واستخراج مختلف التصريحات والأذون المزورة، لما تجرأ هؤلاء أصلا في إيصال الأمور إلى هذه الدرجة من الفساد المخيف الذي سيحرق يوما الأخضر واليابس في دولة جميلة يستحق شعبها، والمقيمون فيها، كل خير!