60 ألف معسر
في خمسينات القرن الماضي تبين لنظام 'ماوتسي تونغ' الشيوعي في الصين أن الطيور تشارك الشعب طعامه، وبالتالي يجب التخلص منها، فالشعب الصيني الجائع أحق بما تأكله. وهكذا بدأت حملة محمومة قضي فيها على مختلف العصافير والطيور في كل أنحاء الصين باستخدام أغرب وسائل القتل بجانب أكثرها تقليدية.
بعد مضي سنوات على تلك الحملة 'الباهرة' اكتشف النظام أن اختفاء الطيور نتج عنه تكاثر الديدان في الأراضي الزراعية التي كانت تتغذى عليها الطيور. وأخذت هذه الديدان تتلف الكثير من المزروعات من خلال التهامها جذور وجذوع النباتات، وهنا اكتشف النظام ان من غير المستحب التلاعب بموازين الطبيعة.
قامت قبل سنوات مجموعة من المواطنين، وغالبيتهم من أصحاب النوايا الطيبة، ومن السذج كذلك، بالمطالبة بتشكيل اللجان وجمع التبرعات لفك ضائقة عدد كبير من الذين قاموا بالاقتراض من المؤسسات المالية والشركات لغرض أو لآخر ولم يتمكنوا من سداد ديونهم. وقام آخرون بتشكيل لجان وجمعيات للعناية بأسر هؤلاء.
كتبنا يومها نعترض على الانجرار وراء مثل هذه الانفعالات والعواطف الآنية، حيث ان هؤلاء المدينين سرعان ما سيعودون لنهجهم السابق والاقتراض من هنا وهناك لتمويل رغباتهم التي لا تستطيع دخولهم 'المحدودة' تلبيتها.
كما أبدينا اعتراضنا وقتها على إسقاط القوة التي كانت تمثلها الشيكات، ولكن كالعادة لم يكن هناك من كان على استعداد لسماح صوت 'الشذوذ' الذي كنا نصدره، فصخب الابتهاج بإطلاق سراح بضع مئات، أو بضعة آلاف، من المعسرين غطى على كل شيء. ولم يعلم كل أصحاب النوايا الطيبة هؤلاء أنهم أطعموا الجائع سمكة ولكنهم لم يهتموا بتعليمه كيف يصطادها مستقبلا، فلم يمض وقت طويل حتى عاد جزء كبير من هؤلاء المعسرين، الذين فكت اللجان والجمعيات الخيرة عسرهم، إلى سابق عهدهم في الاقتراض والصرف أكثر مما تسمح به دخولهم، وبلغ عدد هؤلاء أخيرا 60 الف مدين مطلوب على ذمة قضايا مالية، (القبس 8/31).
ولو أضفنا لهؤلاء المئات، أو الآلاف الذين سددت منحة الشيخ سالم العلي ديونهم، لعرفنا حجم المشكلة الحقيقي.
والآن، من الذي كان السبب في وصول عدد المعسرين والمتورطين في قضايا مالية إلى هذا الرقم المخيف في دولة لا ضرائب فيها، ويعتبر مواطنوها من أصحاب الدخول الأكبر في العالم.
لا شك أن المسؤولية الأولى تقع على بعض المشرعين الجهلة الذين وعدوا ناخبيهم السذج بأن ديونهم سيتم إسقاطها بطريقة أو بأخرى. فالتكالب الذي حدث في السنتين الماضيتين على القروض، وحالة الإعسار التي يعيشها الآن غالبية هؤلاء، كان السبب فيها وعود مشرعيهم.
كما يقع الجزء الآخر من المسؤولية على الجهات التي تدخلت أكثر من مرة لإسقاط قروض المدينين، فهذا الأمر بالرغم من جانبه الإنساني الذي لا يمكن تجاهله، هو تدخل في الدورة الاقتصادية الطبيعية. فغالبية المعسرين سيعودون لوضع الإعسار فور سداد ديونهم، فهؤلاء بحاجة لعلاج وليس لسداد، ولو حاولت جهة جرد أسماء المعسرين لوجدت أن الكثير منها متكرر في أكثر من قائمة.
أما مطالبة السيد زيد الذايدي، (عدد القبس نفسه)، الشركات بالتوقف عن تسليف أو إقراض عملائهما، فإنها لا تتسق مع المنطق، بالرغم من إنسانيتها الظاهرية. فهذه المؤسسات المالية أنشئت أصلا لغرض الاقراض، ورؤوس أموالها مملوكة لشريحة كبيرة من المواطنين، ويتم تداول أسهمها في البورصة وبالتالي من غير المعقول مطالبتها بعدم توخي الحذر عند إقراض هؤلاء سواء عن طريق توقيعهم على كمبيالات أو شيكات مؤجلة الدفع.