سؤال وجواب
ورد السؤال التالي في صحيفة محلية قبل عشر سنوات تماما:
ما حكم الإسلام في نصراني قام بأعمال صالحة كرعاية أيتام وإنشاء جمعيات خيرية ومساعدة محتاجين، ثم مات على النصرانية، ولم يدخل الإسلام؟ هل يجزى على أعماله الصالحة خيرا، وهل تكون سببا في دخوله الجنة؟
الجواب: المعقود في اعتقاد المسلمين ان النصراني الذي قدم اعمالا صالحة ومات على نصرانيته فإن اعماله لا تنفعه عند الله، ولن يكون له حظ في الآخرة، وذلك لأنه فقد اصل قبول العمل وهو الإيمان بالله والدخول في الاسلام، وعليه من الخطأ على بعض المسلمين القول، في لحظة غفلة او جهل إذا رأوا نصرانيا قدم اعمالا وخدمات صالحة: إنه من أهل الجنة، فهؤلاء كفار(!!!).
* * *
يلاحظ من السؤال أعلاه التالي:
أولا: ان الاعمال الصالحة حددت بأمور ثلاثة: رعاية الأيتام، انشاء جمعيات خيرية ومساعدة محتاجين! وهذا كلام غير دقيق في اوله وآخره. فوظيفة الجمعيات الخيرية هي الاهتمام بمساعدة المحتاجين ورعاية الايتام، فلم الازدواجية، ولم إهمال أعمال الخير الأخرى؟!
ثانيا: إيراد انشاء جمعيات خيرية ضمن أهم ثلاثة أمور في جدول الاعمال الخيرية فيه تجن على التاريخ والعقل. فهذه الجمعيات فكرتها جديدة، وبالتالي لا يمكن ان يمثل انشاؤها كل تلك الاهمية، خصوصا إذا علمنا ما تسببت به، سياسيا وانتخابيا وعسكريا، من خراب.
ثالثا: حصر عمل الخير بالأنشطة الثلاثة فقط يمثل قمة الازدراء للعقل البشري ولمنجزات عشرات آلاف المكتشفين والمخترعين والاطباء الذين سهلت منجزاتهم حياتنا، وقلبتها رأسا على عقب، وانقذوا باكتشافاتهم الدوائية ومنجزاتهم الطبية حياة مئات ملايين البشر، ولا يزالون!
رابعا: يتبين من صيغة السؤال أن الأمر يتعلق فقط بالشك في حكم الاسلام في طبيعة عمل الخير الذي يقوم به شخص نصراني بالذات! وهذا يعني أن عمل الخير الذي يقوم به يهودي مثلا أو اي من اصحاب الديانات الاخرى، لا يستحق حتى السؤال، فهم في النار وبئس المصير مهما فعلوا من أعمال خير. وبالتالي فالشك فقط يدور حول عمل الخير الذي قام به نصراني! ويلاحظ هذا الاصرار على استخدام تسمية 'نصراني' بدلا من 'مسيحي' امعانا في التأكيد على الاستخفاف بالآخر..!
لا نود هنا التعمق أكثر في السؤال وفي الإجابة المطولة عنه والتي قمنا باختصارها، ولكن نود ان نبين ان السؤال والإجابة وردا قبل عشر سنوات في جريدة 'الوطن' (العدد 7745)، وفي صفحة 'فكرية' تعنى بتأصيل المفاهيم الشرعية (!) والسائل كان عبدالرزاق الشايجي، والمجيب النائب السابق، عواد برد العنزي، وكلاهما من أساتذة ومفكري كلية الشريعة، ومن الذين تصدوا لفترة طويلة لمهمة تربية الاجيال وتعليمها.
اما مناسبة التطرق لهذا الموضوع بعد مرور عشر سنوات على نشره فتعود لاعتقادنا بأن كل ما نراه اليوم من حولنا من عنف في التعامل مع الآخر وشدة في بغض بعضنا لبعض، ورفض وتحليل سفك دم، ليس فقط المسيحي واليهودي وغيرهما من اصحاب الاعتقادات الاخرى، بل وحتى المسلم الذي لا يؤمن بمثل ما يؤمن به هذا الفريق من تطرف ديني شديد، يعود في المقام الاول لسكوتنا عن مثل تلك الكتابات والفتاوى والاسئلة الشاذة والاجوبة الاكثر شذوذا! فمتى تقوم الحكومة، ممثلة بمجلس الوزراء مباشرة، بحظر نشر مثل هذا التطرف، الذي لا يزال ينشر مثله وأشد غلوا منه في الكثير من وسائل الاعلام، من حكومية وخاصة؟! نقول ذلك متمنين لو كان لمركز الوسطية، المشغول بعالميته، دور في مثل هذه التوعية.. ولكن هيهات!