معسكرات يسوع والإخوان
عرضت قناتا 'سي إن إن' و'الجزيرة' برنامجا وثائقيا عن 'معسكرات يسوع' التي بدأت في الانتشار في انحاء متفرقة من الولايات المتحدة، والتي تهدف لتدريب أطفال العائلات المسيحية المتحمسة ليصبحوا جنودا في جيش الرب. ويهدف المشرفون على هذه المعسكرات إلى غرس المبادئ الدينية المتشددة في نفوس هؤلاء الأطفال الذين يبلغ متوسط أعمارهم عشر سنوات، وكذلك تدريبهم على الجدال اللفظي والصراع الجسدي لمواجهة أعداء الدين مستقبلا، والراجح ان المسلمين هم المعنيون، أكثر من غيرهم، بصفة الأعداء، بعد أن أعلنت جهات متطرفة عدة عن عدائها السافر والدموي لكل ما تمثله الحضارة الغربية من تقدم ومثل ومبادئ.
اعترضت جهات كثيرة في أميركا وخارجها على فكرة إقامة هذه المعسكرات بسبب تخوفها من نتائج ما ستنميه في نفوس الأطفال المشاركين فيها من تعصب ديني وعرقي مقيت وكراهية للآخر، وهذا، في نظر هؤلاء، سيغير من الروح الليبرالية التي طالما امتاز بها الشعب الاميركي تجاه مختلف شعوب الأرض والمستمدة من دستوره العلماني الذي وضع آباء اميركا الأولون، وعلى رأسهم توماس جيفرسون، العظيم، مبادئه السامية.
ولكن مؤيدي الفكرة يقولون انهم يعيشون في عالم مليء بالحقد والكراهية، وان هناك من يسعى للقضاء على الرفاهية الغربية والعقيدة المسيحية، وهذه مهمة يجب ألا يقتصر التصدي لها على الحكومات والجيوش النظامية، بل يجب ان تقوم الشعوب بما يمليه الواجب عليها تجاه وطنها وعقيدتها الدينية ليكون الجميع معبأ ومستعدا لمواجهة المخربين والخونة في الداخل والخارج.
إن كل من شاهد ذلك البرنامج شعر بالخوف، المشوب بالاشمئزاز، لانحدار بعض الكنائس المسيحية إلى هذا الدرك من التطرف. وكانت فكرة اقامة هذه المعسكرات فرصة لقناة الجزيرة لكي تهول من الأمر وتؤكد عنصرية الغرب، وأميركا بالذات، وزيادة تعصبهم ضد المسلمين العرب والمسلمين بصورة عامة. ولكن القناة وكل من انتقد اقامة تلك المعسكرات نسي تماما أمورا عدة، ففكرة اقامة معسكرات تدريب شبابية وتعبئتهم وغسل أدمغتهم وتوجيههم لتنفيذ هدف محدد، ليست بالجديدة، فقد كانت هناك تجربة حسن الصباح وجماعته من الحشاشين الانتحاريين التي كانت تقوم بالاغتيالات السياسية بناء على طلبه، لأغراض دينية غالبا. وكانت هناك ايضا حركة الشبيبة النازية وشبيبة موسوليني. وسبق هذين المعسكرين معسكرات تدريب الاخوان قرب مدينة الاسماعيلية التي كان يشرف عليها حسن البنا شخصيا. اما في العقود القليلة الماضية فقد كانت الكويت، بمخيمات الاخوان الربيعية، ومن بعدهم السلف بسنوات، الدولة الرائدة في اقامة هذه المعسكرات التدريبية الحزبية الدينية، وقد حذرنا مرارا من مغبة السكوت عنها! وقد تبين الآن اننا دفعنا وسندفع ثمنا فادحا نتيجة السكوت عن اقامة تلك المعسكرات، فقد بدأ من فترة تساقط اولئك الذين تدربوا في تلك المخيمات والمعسكرات من الشباب الكويتيين في افغانستان وصربيا والشيشان والعراق وغيرها! ولولا سكوتنا عما كان يجري في تلك المعسكرات الشبابية لما تساقط المئات من شباب هذا الشعب الصغير العدد والمرفه في ميادين معارك سخيفة ووهمية ولا يرجى منها اي نفع لغير من غرر بهم وضحك عليهم ووعدهم بحور عين وتناول افطار، او عشاء، مع رسل وانبياء!
كما ان معسكرات دينية مماثلة انشئت على اطراف عدة مدن سعودية ومصرية وفي جنوب لبنان والبقاع في قواعد حزب الله وفي الكثير من المخيمات الفلسطينية (جند الاسلام)، وهذه جميعها خرجت لنا تاليا شباب غزوة منهاتن ومجاهدين افغانستان ومقاتلي القاعدة في العراق وفدائيي حركة حماس ومقاتلين ومخططين 'استراتيجيين' من امثال خالد الشيخ وسلمان بوغيث والزرقاوي وابو عكرمة وابو حمزة المهاجر وغيرهم المئات، اضافة الى كل ذلك الوقود البشري الذي يغذي العمليات الانتحارية المجنونة في العراق وافغانستان وباكستان! وبالتالي يمكن القول ان 'معسكرات يسوع' التدريبية الدينية ما هي الا رد فعل مباشر لمعسكراتنا الدينية المتطرفة، و'غزوة منهاتن' الغبية، التي لا يزال الكثير من غلاة المتشددين لدينا من المعجبين بها، عجلت في اقامتها والصرف عليها بسخاء كبير.
* * *
ملاحظة: في برنامج 'الشريعة والحياة' الذي تبثه قناة الجزيرة والذي عرضت حلقته الاخيرة بعد الفيلم الوثائقي عن 'معسكرات يسوع' ذكر المفتي الضرورة يوسف القرضاوي بأن زواج المسفار صحيح في حال لم يفصح الرجل عن نيته التطليق عند انتهاء السفر، والا اعتبر زواجه متعة، وهذا حرام!