الفقر في الكويت
من اهم وابسط واجبات اي 'نظام سياسي' توفير العيش الكريم لمواطني الدولة وحفظ كرامتهم الانسانية ضمن الحد الادنى من المساواة بينهم، وقد علمنا التاريخ حتمية سقوط اي نظام يفشل في تحقيق هذين الامرين، وما واجه انظمة شاه ايران والاتحاد السوفيتي وصدام وغيرها خير دليل.
ولو نظرنا لتجربة النظام في الكويت لوجدنا انه نجح، الى حد كبير، في توفير العيش الكريم لمواطني الدولة وحفظ كرامتهم في الوقت نفسه، دون دفعهم لمذلة السؤال، ولكن كان هذا صحيحا لفترة ما، وتغير الوضع مع تغير الاوضاع السياسية في الدولة وزيادة حاجة النظام، او السلطة الممثلة بالحكومات المتعاقبة، للاستعانة او للتحالف مع قوى التخلف المتأسلمة ضد بقية التيارات السياسية، وكان ثمن ذلك تعيين محازبي هذه الاحزاب الدينية والسياسية في اعلى المناصب من جهة، وترك الحبل لهم على الغارب لتأسيس ما شاؤوا من شركات ومؤسسات مالية وجمعيات تجمع وتصرف ما تحب وتشتهي من اموال 'الخيرات'، وكل ذلك باسم الدين والخير ومساعدة الفقير!! ونسي الجميع في خضم ذلك بناء قاعدة اقتصادية متينة، مماثلة او حتى مقاربة لتجربة سنغافورة، كما نجح الجميع في القضاء على كل مظاهر التحضر والابداع باسم المحافظة على القيم الدينية والعادات والتقاليد..!
نعود لموضوع العيش الكريم لنقول إن التبرع المالي الكريم والكبير الاخير بين بشكل واضح ان هناك خللا ما في دولة الرفاه التي تعودنا على سماع نغمتها، او ان هناك على الاقل خللا في الوظائف الاجتماعية للمؤسسات التي تصدت طوال الثلاثين سنة الاخيرة للعمل الخيري، بمباركة وموافقة وتأييد حكومي واضح ومتزايد، او ربما يكون الخلل في الامرين معا!!
فالترحيب الحار الذي لقيه التبرع بين بشكل واضح فشل الدولة، او الحكومة، في توفير العيش الكريم، وبكرامة، لفئة كبيرة من المواطنين، بحيث تطلب الامر قيام محسن كبير بالتبرع بمبلغ يزيد على 300 مليون دولار لصرفه على فئة معدمة ضمن شعب مرفه لا يزيد تعداده على المليون! هذا اذا صح القول بوجود كل هذا العدد من المعدمين والمحرومين ضمن فئة المواطنين!
وزاد الطين بلة، ما صرح به احد زعماء الجمعيات المسماة بالخيرية بأن الحاجة كبيرة الى تبرعات مماثلة اخرى! فإذا كان الامر كذلك، وان هناك بالفعل الآلاف من الاسر التي هي بحاجة الى ذل السؤال والتمرمط بين المصارف وشركات التمويل وبنك التسليف للحصول على مبلغ التبرع، فإن هذا يثبت ايضا فشل الجمعيات الخيرية، فيما كانت تدعي القيام به طوال السنوات الماضية، كما تبين مدى خطورة جرمها المتمثل بقيامها بصرف المليارات خارج الدولة، في الوقت الذي يوجد كل هؤلاء المحتاجين بيننا!
اعتقد شخصيا ان هناك مبالغة كبيرة في تصوير حالة الفقر في المجتمع، وما هو موجود منها يتعلق بسوء تدبيرها للمال وليس لعدم توافره لديها، وبالتالي فإن ما سيدفع لغالبية هؤلاء 'المحتاجين' سوف لن يساهم كثيرا في تحسين احوالهم المعيشية، ولو كانت المعلومات متوافرة لدي لما ترددت في اجراء دراسة عن العائلات الكويتية، 'المتعففة' و'غير المتعففة'، التي يقال إنها تعيش في فقر شديد، بحيث يتطلب الامر منها الوقوف بمذلة على ابواب الجمعيات الخيرية طلبا للقمة او كساء لاحد ابنائها! اقول ذلك وانا على ثقة بأن نتيجة الدراسة سوف لن تكون سارة للمستفيدين من بقاء التصورات الحالية عن اوضاع 'شعبنا المعدم والفقير'.