جرائم العمل الخيري المالية (2/1)
قد أكون اكثر من كتب منتقدا دور الجمعيات الخيرية المسيسة، وبالتالي ربما كنت الاكثر تألما لرؤية كل هذا التراخي الحكومي في التعامل مع كل هذا التسيب الذي يلف 'الساحة الخيرية' والذي اثر بحق في دور القلة الشريفة ولطخ سمعة الجميع!
يمكن القول ان حالة الوكيل المساعد المسؤول عن الجمعيات الخيرية في وزارة الشؤون هي واحدة من ثلاث: إما انه محبط لعجزه عن القيام بعملية الاشراف بصورة فعالة على انشطة هذه الجمعيات ورصد ما فيها من مخالفات ومن ثم القضاء عليها، وإما انه عالم بما يجري بها وراض عما يراه ولكن لا مصلحة شخصية مباشرة له في التصدي لغول هذه الجمعيات المتعاظم الحجم والاهمية، وإما انه معذب الضمير من هول ما يرى، بعد ان قام بواجبه في كتابة التقرير تلو الآخر ورفعه للوكيل ليرفعه للوزير، وهو بانتظار اتخاذ القرار المناسب، الذي ربما لن يأتي ابدا!
وعليه يمكن القول وبتجرد ان المسؤولية الاولى والاخيرة عن حالة الفساد المالي المستشري في الكثير من الجمعيات الخيرية وما اصبحت تمارسه علنا من نفوذ وخراب سياسي يصعب حصر مداه، تقع على عاتق جميع وزراء الشؤون الذين تولوا المنصب منذ ثلاثين عاما او يزيد!
ومن الانصاف الاعتقاد بان الطريقة التي يتم بها تعامل الحكومة مع مخالفات الجمعيات نابعة من سياسة 'دولة' وليست قرارا متروكا لوزير الشؤون او مدير ادارة الجمعيات، وربما لهذا فشل كل وزراء الشؤون، خلال العقود الثلاثة الاخيرة، في مجرد مراقبة اعمال هذه الجمعيات، دع عنك التصدي لما يرتكب فيها من جرائم مالية! ولكن هذا يجب ان لا يثنينا عن واجب الكتابة عما نعتقد بانه صواب ويصب في مصلحة الوطن ككلِ فقد ثبت بالدليل القاطع من خلال تقرير صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية، وليس عن غيرها بان هذه الجمعيات قامت بارتكاب كم هائل من المخالفات خلال شهر رمضان الماضي، وكان اكليل الغار الاكبر من نصيب جمعية احياء التراث، وهي اكثر الجمعيات الخيرية ادعاء بقربها لصحيح العقيدة واتباعها لسيرة السلف الصالح وسلوكهم! وجاءت 'جمعية الاصلاح'، ولا ادري اي اصلاح يبتغون، في المرتبة الثانية من حيث كم المخالفات! والغريب ان للجمعيتين نوابا ووزراء اصيلين او متعاطفين في البرلمان والحكومة! يعني ان وزيرا في الحكومة يقوم بكتابة تقرير الادانة في حق وزير آخر في الحكومة نفسها، ومع هذا نرى الاثنين في تمام الانسجام، امام عدسات التصوير وخلفها!
ولمعرفة مدى استشراء فساد بعض هذه الجمعيات وقوتها وعدم ترددها في اتباع اخس طرق المكر والخداع لتحقيق مآربها فما علينا سوى مراجعة 'قصص' مناقصات وزارة الشؤون المتعلقة بتدقيق حسابات الجمعيات الخيرية، حيث نجد حرص مكاتب تدقيق محددة على المشاركة في تلك المناقصات وتقديم اقل العروض، التي كانت تقبل من لجنة المناقصات المركزية، بكل سذاجة وعفوية، لأنها الاقل او الارخص، بسبب قانونها الباليِ وبعدها يكتشف موظفو وزارة الشؤون من اصحاب الضمير الحي فيها، وهم في تناقص في كل وزارة وهيئة، العلاقة العضوية والعقائدية التي تربط صاحب مكتب التدقيق الفائز بالمناقصة بجمعية خيرية او اكثر او انه عضو مؤسس في اكثر من جمعية، ولم تمنعه لحيته المباركة وتدينه الظاهر من التلاعب على الدولة والحكومة والوطن والشعب عن طريق التقدم بأقل العروض لمراقبة وتدقيق الجمعيات التي قام هو اصلا بالمشاركة في تأسيسها، والتي تعتبر محل اتهام! فهل رأيتم تلاعبا على الدين والوطن اكثر سوءا من ذلك؟