السياسة والحياة
كنت نشطا سياسيا أيام الدراسة الثانوية وحصلت في أول انتخابات طلابية 'حرة' جرت ضمن مدارس الكويت الثانوية على المركز الأول، وبفارق كبيرِ وكانت لي مشاركتي المتواضعة في وضع النظام الاساسي و'دستور' اتحاد الطلبة وقتها، وكان ذلك قبل اكثر من اربعين عاماِ الا ان نفوري من السياسة واساليبها سرعان ما تغلب على ميلي اليها بعد ان اكتشفت الاساليب القذرة التي لدى البعض وكامل الاستعداد للجوء اليها للقضاء على المعارضين لهم، وذلك بعد ان تم اقصائي عن المشاركة في اول امانة عامة لاسباب اعتقد انها كانت 'طائفية' اكثر من اي شيء اخر، ومن تآمروا علي وقتها لا ازال اذكر اسماء غالبيتهم، ولو انهم الآن تغيروا، الى الاسوأ!!
وما كرهني بالسياسة اكثر، في فترة لاحقة، كثرة ما يتعرض له المنخرط في كواليسها من مواقف صعبة يضطر في كثير من الاحيان لاختيار ما لا يتفق وقناعاته منها! المثال التالي مأخوذ من الانترنت بتصرف.
***
لو كانت هناك مجموعة من الاطفال الذين يلهون باللعب في وسط مسار للسكك الحديدية، وبجانبهم طفل اخر يلعب، ولكن ضمن مسار اخر معطل.
وكان هناك قطار قادم بسرعة كبيرة، وتصادف وجودك في نقطة تستطيع فيها تحويل سير القطار من الجزء العامل الى الجزء المعطل من السكة وليس امامك غير ثوان لتقرر ذلك، فاما ان تتركه ليسير كما هو مقرر له وبالتالي قد ينشأ عن ذلك موت عدد كبير من الاطفال او ان تحول مساره وتضحي بحياة طفل واحد من اجل الاخرين!
فأي القرارين ستختار؟ وما نتائج اختيار كل قرار؟
الكثيرون قد يرون ان من الافضل التضحية ب'طفل' من اجل انقاذ اطفال! وهذا قرار يتفق والعاطفة الانسانية، وربما مع منطق الغالبية منا.
ولكن هل هذا هو القرار الصحيح؟
هل نسينا ان الطفل الذي فضل اللعب على المسار المعطل هو الذي يستحق ان يكافأ لانه اختار الابتعاد عن الخطر، وكان على حق؟ فكيف نعاقبه على اختياره السليم؟ وكيف نكافئ مجموعة من الاطفال المستهترين الذين اختاروا اللعب في المكان الخطأ؟ ألا نرى الأمر نفسه، او ما يشابهه، يتكرر في الكثير من الديموقراطيات الصحيحة وغيرها، وذلك عندما تتم التضحية بمصالح الاقلية، والتي يفترض ان تكون على حق، من اجل ارضاء الاكثرية لا لشيء الا لانها اكثرية، ولو انها على باطل؟!
وعليه يصبح القرار السليم والعادل هو عدم تغيير مسار القطار لان الاطفال الذين اختاروا اللعب في مساره يفترض انهم يعرفون ذلك وبالتالي هم، او البعض منهم، على الاقل، يلعبون بحذر دائم، وسوف يهربون جميعا فور سماعهم لصوت قدوم القطار.
ولو تم تغيير مسار القطار الى الخط المعطل فان الطفل الذي اختار اللعب عليه سوف يموت حتما لانه لن يتحرك من مكانه لاعتقاده بأن القطار لن يمر بالمسار الذي هو فيهِ اضافة الى ذلك فان المسار المعطل لم يهمل ويترك من غير استعمال لو لم يكن غير صالح اصلاِ وبالتالي فان توجيه القطار للسير عليه بطريقة مفاجئة سيؤدي كذلك الى المخاطرة بارواح ركاب القطار جميعا!
وهكذا نجد اننا لكي ننقذ ارواح مجموعة من الاطفال المستهترين قمنا بقتل طفل ملتزم وبريء وتسببنا في موت مئات الركاب الابرياء.
وهكذا نرى ان الحياة مليئة بالقرارات الصعبةِ والقرار المتسرع عادة ما يكون غير صائب، ويجب ان نتذكر ان القرار الصحيح ليس هو القرار الشائع، وان الشائع ليس بالضرورة هو القرار الصحيح.
ولكن هل اصحاب العمائم الذين كانوا السبب في جر المنطقة لاكثر من حرب على علم بذلك؟ اشك في ذلك.