'حيائي' وفناجين القهوة
اتفقت مجموعة من خريجي إحدى الجامعات الاميركية المرموقة على الالتقاء كل عام في مكان ماِ بعد سنوات من ذلك التعهد الذي التزم به غالبيتهم، وبعد تقدمهم في العمر، قرروا القيام بزيارة أحد مدرسيهم الذي كان له فضل وتأثير عليهم جميعا.
تحول الحديث أثناء اللقاء الى متاعب الحياة وضغوط العمل والحياة النفسية التي يتعرضون لها جميعاِ هنا غادر 'البروفيسور' الجلسة ليحضر لهم القهوة، التي اتفقوا جميعا على الاكتفاء بتناولها عنده.
عندما عاد بعد لحظات كان يحمل صينية عليها ابريق قهوة كبير ومجموعة من أكواب وفناجين القهوة المتعددة الأشكال والأحجام والألوان، وكان بعضها يبدو غالي الثمن وبعضها الآخر أرخص بكثير.
تناول كل واحد من الرفاق فنجانا، وكان الأخير، والأكثر بساطة، من نصيب مضيفهم، الاستاذِ وهنا رفع هذا فنجانه في الهواء واقترح عليهم شرب 'نخب' الصداقة والوفاءِ ثم نظر اليهم وقال: هل لاحظتم، عندما عرضت عليكم صينية القهوة، بما عليها من أكواب، كيف اختفت الفناجين الثمينة والجميلة أولا، وتبعتها الفناجين الأقل جمالا ولم تتركوا في الصينية غير هذا الفنجان الباهت اللون والرخيص الثمن الذي أصبح من نصيبي؟ إن ما قمتم به كان تصرفا عادياِ فكل واحد منكم يود الحصول على الأحسن لنفسه، وهذا هو سبب إحساسكم، وشكواكم، من ضغوط الحياة والعملِ ما اتفقتم جميعا على طلبه هو القهوةِ ولم يطلب أي منكم فنجانا محددا ولكن على الرغم من ذلك تدافعت أيديكم، بشكل تلقائي، لالتقاط أحسن الفناجين وأكثرها غلاء! كما تبادلتم النظر بعضكم إلى اكواب بعض لمعرفة من حاز على الكوب أو الفنجان الأجمل أو الأغلى!
ولو كانت الحياة هي القهوة، فإن الوظيفة والمال والمركز الاجتماعي والملابس والسيارة هي الأكواب والفناجينِ وهذه لا تعدو ان تكون المواد والأدوات التي تحمل، او تحتوي الحياة، ولكن ليس بإمكانها تغيير نوعيتها وجعلها أحسنِ والغريب أننا، في خضم تركيزنا على نوعية الفناجين ولونها وقيمتها، ننسى الاستمتاع بما في داخلها من قهوة!
وعليه، فإن نصيحتي لكم ألا تجعلوا فناجين القهوة هي التي تقودكم وتتحكم في حياتكم، وتؤثر فيها، بل عليكم الاهتمام بالمخبر، أي القهوة.
هذا ما قرأته في الإنترنت، وترجمته بتصرف كبير لكي أجعله مدخلا للتعليق على الحملة التي تقوم بها 'جهة ما' لتشجيع الفتيات على لبس الحجاب والشباب على تربية اللحية، والقول ان ذلك يمثل قمة الحياء!
إن الدعوة للتحلي بالحياء عن طريق لبس حجاب أو تربية لحية ما هي إلا اهتمام بقشور الحياة وترك اللب جانباِ فالحجاب لم يكن يوما مانعا للفساد واللحية لم تكن يوما رادعة لسوء الخلقِ والأمر يسري كذلك على من لا تلبس الحجاب او من لا يربي اللحية!
إن اهتمامنا بالمظاهر والقشور هو الذي جعلنا نهتم بصغائر الأمور، ودفعنا دفعا لترك الأعظم والأخطر لغيرنا، وهكذا تقدموا وتأخرنا!
فالحياء لا يمكن اختزاله في قطعة قماش تغطي الرأس، او لحية تتدلى من أسفل الحنك، بل هو شعور طاغ بالمعرفة والتواضع والأدب الناجم عن معرفة الغير واحترام الكبير والأكثر فهما وغض النظر عن الفواحش والصغائرِِ الى آخر ذلك من فضائل قيمة لا علاقة للحجاب بها.